ثم جالت الروم بأعمال حلب وتأخر سيف الدولة إلى ناحية شيزر وأنكى العربان في الروم غير مرة وكسبوا مالا يوصف ، ونزل عظيم الروم على أنطاكية فحاصرها ثمانية أيام ليلا ونهارا ، وبذل الأمان لأهلها فأبوا فقال : أنتم كاتبتموني ووعدتموني بالطاعة ، فأجابوا : إنما كاتبنا الملك حيث كان سيف الدولة بأرمينية بعيدا عنا وظننا أنه لا حاجة له في البلد وكان السيف بين أظهرنا ، فلما عاد سيف الدولة لم يوبه على ضبط أدياننا وبلدنا شيئا. فناجزهم الحرب من جوانبها فحاربوه أشد حرب ، وكان عسكره معوزا من العلوفة ، ثم بعث نائب أنطاكية محمد بن موسى إلى قرعويه متولي نيابة حلب بتفاصيل الأمور وبثبات الناس على القتال. وأنا ليلي ونهاري في الحرب لا أستقر ساعة وإن اللعين قد ترحل عنا ونزل الجسر.
وفيها أوقع تقي السيفي بسرية الروم فاصطلموها ، ثم خرج الطاغية من الدروب وذهب ، ثم جاء الخبر بأن نائب أنطاكية محمد بن موسى الصلحي أخذ الأموال التي في خزائن أنطاكية معدة وخرج بها كأنه متوجه إلى سيف الدولة ، فدخل بلد الروم مرتدّا فقيل إنه كان عزم على تسليم أنطاكية للملك فلم يمكنه لاجتماع أهل البلد على ضبطه ، فخشي أن ينم خبره إلى سيف الدولة فهرب بالأموال. اه.
ذكر خراب قنسرين في هذه السنة
قال ياقوت في معجم البلدان : كانت قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص بقرب العواصم ، وبعض يدخل قنسرين في العواصم ، وما زالت عامرة آهلة إلى أن كانت سنة ٣٥١ وغلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع ما كان بربضها ، فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد ، فطائفة عبرت الفرات وطائفة نقلها سيف الدولة بن حمدان إلى حلب كثر بهم من بقي من أهلها ، فليس بها اليوم سنة [٦٢٤] إلا خان ينزله القوافل وعشار السلطان وفريضة صغيرة.
وقال بعضهم : كان خراب قنسرين في سنة ٣٥٥ قبل موت سيف الدولة بأشهر ، كان قد خرج إليها ملك الروم وعجز سيف الدولة عن لقائه ، فأمال عنه فجاء إلى قنسرين وخربها وأحرق مساجدها ، ولم تعمر بعد ذلك.