صدقه وقول الحق ، فلما دخلت عليه قال : يا قاضي ما هذه الفتنة ؟ فقلت : إن الناس قد فعلوا هذا خوفا من الفتنة والشر ، ولا شك أن السلطان ما يعلم كم بينه وبين العدو وإنما بينكم نحو أسبوع ، ولئن أخذوا حلب انحدروا إليك في الفرات وفي البر وليس بينكم بلد يمنعهم عن بغداد ، وعظّمت الأمر عليه حتى جعلته كأنه ينظر إليهم ، فقال : اردد هؤلاء العامة عنا وخذ من العساكر ما شئت وسر بهم والأمداد تلحقك ، قال : فخرجت إلى العامة ومن انضم إليهم فأخبرتهم وعرفتهم الحال وأمرتهم بالعود ، فعادوا وتفرقوا ، وانتخبت من عسكره عشرة آلاف فارس وكتبت إلى الشهيد أعرفه الخبر وأنه لم يبق غير المسير وأجدد استئذانه في ذلك ، فأمرني بتسييرهم والحث على ذلك ، فعبرت العساكر الجانب الغربي. فبينما نحن نتجهز للحركة وإذا قد وصل نجاب من الشهيد يخبر بأن الروم والفرنج قد رحلوا عن حلب خائبين لم ينالوا منها غرضا ويأمرني بترك استصحاب العساكر ، فلما خوطب السلطان في ذلك أصر إلى إنفاذ العساكر إلى الجهاد وقصد بلاد الفرنج وأخذها ، وكان قصده أن تطأ عساكره البلاد بهذه الحجة فيملكها ، فلم أزل أتوصل مع الوزير وأكابر الدولة حتى أعدت العساكر إلى الجانب الشرقي وسرت إلى الشهيد. قال ابن الأثير : فانظروا إلى هذا الرجل الذي هو خير من عشرة آلاف فارس يعني كمال الدين ، رحم الله الشهيد فلقد كان ذا همة عالية ورغبة في الرجال ذوي الرأي والعقل يرغبهم ويخطبهم من البلاد ويوفر لهم العطاء. [ حكى لي والدي ] قال : قيل للشهيد : إن هذا كمال الدين يحصل له في كل سنة منك ما يزيد على عشرة آلاف دينار أميرية وغيره يقنع منك بخمسمائة دينار ، فقال لهم : بهذا العقل والرأي تدبرون دولتي ، إن كمال الدين يقل له هذا القدر وغيره يكثر له خمسمائة دينار ، فإن شغلا واحدا يقوم فيه كمال الدين خير من مائة ألف دينار. وكان كما قال رحمهالله تعالى.
سنة ٥٣٣
سنة الزلازل
قال ابن الأثير : في هذه السنة في صفر كانت زلازل كثيرة هائلة بالشام والجزيرة وكثير من البلاد ، وكان أشدها بالشام ، وكانت متوالية عشر ليال كل ليلة عشر دفعات ،