قال ابن الأثير : ومن عجائب ما يحكى في هذه الحادثة أن الخبر لما وصل بقصد الروم شيزر قام الأمير مرشد بن علي أخو صاحبها وهو ينسخ مصحفا فرفعه بيده وقال : اللهم بحق من أنزلته عليه إن قضيت بمجيء الروم فاقبضني إليك. فتوفي بعد أيام ونزل الروم بعد وفاته.
قال في الروضتين : لما وصل الروم والفرنج إلى الشام ورأوا الأمر قد فات أرادوا جبر مصيبتهم بمنازلة بعض بلاد المسلمين ، فنازلوا حلب وحصروها فلم ير الشهيد أن يخاطر بالمسلمين ويلقاهم لأنهم كانوا في جمع عظيم ، فانحاز عنهم ونزل ( في بزاعة ) قريبا منهم يمنع عنهم الميرة ويحفظ أطراف البلاد من انتشار العدو فيها والإغارة عليها ، وأرسل القاضي كمال الدين بن الشهرزوري إلى السلطان مسعود ينهي إليه الحال بأمر البلاد وكثرة العدو ، ويطلب منه النجدة وإرسال العساكر ، فقال له كمال الدين : أخاف أن تخرج البلاد من أيدينا ويجعل السلطان هذا حجة وينفذ العساكر ، فإذا توسطوا البلاد ملكوها ، فقال الشهيد : إن هذا العدو قد طمع فيّ وإن أخذ حلب لم يبق بالشام إسلام ، وعلى كل حال فالمسلمون أولى بها من الفرنج ، قال : فلما وصلت إلى بغداد وأديت الرسالة وعدني السلطان بإنفاذ العساكر وأنا أخاطب فلا أزاد على الوعد ، قال : فلما رأيت عدم اهتمام السلطان بهذا الأمر العظيم أحضرت فلانا وهو فقيه وكان ينوب عنه في القضاء فقلت : خذ هذه الدنانير وفرقها في جماعة من أوباش بغداد والأعاجم ، وإذا كان يوم الجمعة وصعد الخطيب المنبر بجامع القصر قاموا وأنت معهم واستغاثوا بصوت واحد وا إسلاماه وا دين محمداه ، ويخرجون من الجامع ويقصدون دار السلطنة مستغيثين ، ثم وضعت إنسانا آخر يفعل مثل ذلك في جامع السلطان. فلما كانت الجمعة وصعد الخطيب المنبر قام ذلك الفقيه وشق ثوبه وألقى عمامته عن رأسه وصاح ، وتبعه أولئك النفر بالصياح والبكاء فلم يبق بالجامع إلا من قام يبكي وبطلت الجمعة ، وسار الناس كلهم إلى دار السلطان ، وقد فعل أولئك الذين بجامع السلطان مثلهم ، فاجتمع أهل بغداد وكل من بالعساكر عند دار السلطان يبكون ويصرخون ويستغيثون ، وخرج الأمراء عن الضبط وخاف السلطان في داره وقال : ما الخبر ؟ فقيل له : إن الناس قد ثاروا حيث لم ترسل العساكر إلى الغزاة ، فقال : أحضروا ابن الشهرزوري ، قال : فحضرت عنده وأنا خائف منه إلا أنني قد عزمت على