حمدا لمن جعل في أنباء من مضى عبرة لمن حضر وصلاة وسلاما على سيدنا محمد الذي أنار بسيرته وسيرة أصحابه بصائر البشر وبعد :
فإن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا وأرفعها شأنا وأسماها رتبة ، تتطلع إليه أرباب الهمم العالية وتتشوق إليه النفوس الفاضلة ، وهو مرآة يبصر بها المرء ما كان في غابر الأعصار ويرى ما دونه الأقدمون من العلوم والفنون وما صنعته يد الإنسان من الأعمال والآثار ، فيدعو ذلك إلى الاتعاظ والاعتبار والتحلي بمحاسن المحسنين والأخيار والتخلي عن مساوي المسيئين والأشرار ، فتهذب بذلك نفسه وتظرف شمائله وتصفو مرآة فكره ويستنير لبه وتتوسع دائرة معارفه وعلمه وتستقيم أموره وتنتظم أحواله وشؤونه.
فالحاجة إليه أمر بديهي لا يحتاج إلى سرد الشواهد وإقامة البراهين والدلائل ، وحسبنا ما قصه الله على رسوله الأعظم صلىاللهعليهوسلم من أنباء من مضى تثبيتا لفؤاده وإرشادا لأمته.
ومع شدة الحاجة إليه فإن فيه المهم والأهم ، فالأهم وقوف المرء على تاريخ بلدته التي ولد فيها والأمة التي ينتسب إليها والأماكن التي يجاورها والدولة التي هو من رعيتها.
والأمة التي تجهل تاريخ نشأتها وأحوال أسلافها وحوادث أوطانها وأسباب صعودها وهبوطها تظل هائمة في تيه التأخر هاوية في مهاوي الانحطاط ، تحيق بها الرزايا من كل صوب وتتقاذفها أمواج البلايا من كل جهة ، وتعبث بها أيدي الأغيار ولا حول لها ولا طول.
وعلى قدر معرفتها بتاريخ نشأتها وتضلعها بحوادث من تقدمها يكون رقيها وانتظامها ، إذا تقرر هذا فأقول :
لما كانت حلب الشهباء بلدتي فيها مسقط رأسي وبها مرتع أنسي وكان الكثيرون من فضلائها السابقين وعلمائها الماضين وضعوا لها تواريخ تنبىء بعظمة شأنها ورفيع مجدها ، وكانت الأيام قد شتتت شمل هذه التواريخ ونقلتها إلى غير هذه الديار خصوصا الديار الغربية والمصرية ولم يبق منها في الشهباء إلا نزر يسير وقل من كثير لا يشفي علة ولا يروي غلة.