سنة ٥٠٥
سير العساكر الإسلامية من بغداد وغيرها لقتال الإفرنج
قال ابن الأثير : في هذه السنة اجتمعت العساكر التي أمرها السلطان بالمسير إلى قتال الفرنج ، فكان الأمير مودود صاحب الموصل والأمير سكمان القطبي صاحب تبريز وبعض ديار بكر والأمير إيلبكي وزنكي ابنا برسق ولهما همدان وما جاورها والأمير أحمديل وله مراغة ، وكوتب الأمير أبو الهيجاء صاحب أربل والأمير إيلغازي صاحب ماردين والأمراء البكجية باللحاق بالملك مسعود ومودود ، فاجتمعوا ما عدا الأمير إيلغازي فإنه سير ولده إياز وأقام هو ، فلما اجتمعوا ساروا إلى بلد سنجار ففتحوا عدة حصون للفرنج وقتل من بها منهم ، وحصروا مدينة الرها مدة ثم رحلوا عنها من غير أن يملكوها. وكان سبب رحيلهم عنها أن الفرنج اجتمعت جميعها فارسها وراجلها وساروا إلى الفرات ليعبروها ليمنعوا الرها من المسلمين ، فلما وصلوا إلى الفرات بلغهم كثرة المسلمين فلم يقدموا عليه وأقاموا على الفرات ، فلما رأى المسلمون ذلك رحلوا عن الرها إلى حران ليطمع الفرنج ويعبروا الفرات إليهم ويقاتلوهم ، فلما رحلوا عنها جاء الفرنج ومعهم الميرة والذخائر إلى الرها فجعلوا فيها كل ما يحتاجون إليه بعد أن كانوا قليلي الميرة وقد أشرفوا على أن يؤخذوا ، وأخذوا كل من فيه عجز وضعف وفقر وعادوا إلى الفرات فعبروه إلى الجانب الشامي وطرقوا أعمال حلب فأفسدوا ما فيها ونهبوها وقتلوا فيها وأسروا وسبوا خلقا كثيرا ، وكان سبب ذلك أن الفرنج لما عبروا إلى الجزيرة خرج الملك رضوان صاحب حلب إلى ما أخذه الفرنج من أعمال فاستعاد بعضه ونهب منهم وقتل ، فلما عاد وعبروا الفرات فعلوا بأعماله ما فعلوا ، وأما العسكر السلطاني فإنه لما سمع بعود الفرنج وعبورهم الفرات رحلوا إلى الرها وحصروها فرأوا أمرا محكما قد قويت نفوس أهلها بالذخائر التي تركت عندهم وبكثرة المقاتلين عنهم ولم يجدوا فيها مطمعا ، فرحلوا عنها وعبروا الفرات فحصروا قلعة تل باشر خمسة وأربعين يوما ، ورحلوا عنها ولم يبلغوا غرضا ، ووصلوا إلى حلب فأغلق الملك رضوان أبواب البلد ولم يجتمع بهم ، ثم مرض هناك الأمير سكمان القطبي فعاد مريضا فتوفي في بالس ، فجعله أصحابه في تابوت وحملوه عائدين إلى بلاده فقصدهم إيلغازي ليأخذهم ويغنم ما معهم فجعلوا تابوته في القلب وقاتلوا بين يديه ،