عذبه به أن أحمى الطشت حتى صار كالنار ووضعه على رأسه ونفخ في دبره بكير الحداد ونقبت كعابه وضرب فيها الرزز والحلق ، ولما وضع النجار المنقب على كعبه قطع اللحم والجلد ولم يدر المنقب فلطمه المجن وقال : ويلك لا تعرف ، أحضر خشبة وضعها على الكعب ، فلما فرغ قيل له : كيف تجد طعم الحديد ؟ فقال : قولوا للحديد كيف يجد طعمي ، ولم يقر المجن مع هذا بدرهم واحد ، ثم قتل ، ولما قدم للقتل صاح بصوت عال : يا معشر أهل حلب من كان لي عنده مال فهو في حل منه اه.
قال ابن الأثير : وفي هذه السنة توفي القاضي أبو مسلم وادع بن سليمان قاضي معرة النعمان والمستولي على أمورها ، وكان رجل زمانه همة وعلما.
سنة ٤٩٠
ذكر الحرب بين رضوان ملك حلب
وأخيه دقاق صاحب دمشق
قال ابن الأثير : في هذه السنة سار الملك رضوان إلى دمشق وبها أخوه دقاق عازما على أخذها منه ، فلما قاربها ورأى حصانتها وامتناعها علم عجزه عنها فرحل إلى نابلس وصار إلى القدس ليأخذه فلم يمكنه وانقطعت العساكر عنه ، فعاد ومعه باغيسيان صاحب أنطاكية وجناح الدولة ، ثم إن باغيسيان فارق رضوان وقصد دقاق وحسن له محاصرة أخيه بحلب جزاء لما فعله ، فجمع عساكر كثيرة وسار ومعه باغيسيان ، فأرسل رضوان رسولا إلى سقمان بن أرتق وهو بسروج يستنجده فأنجده ، فأتاه في خلق كثير من التركمان فسار نحو أخيه فالتقيا بقنسرين فاقتتلا فانهزم دقاق وعسكره ونهبت خيامهم وجميع مالهم وعاد رضوان إلى حلب ، ثم اتفقا على أن يخطب لرضوان بدمشق قبل دقاق وبأنطاكية ، وقيل كانت هذه الحادثة سنة تسع وثمانين. اه ابن الأثير.
قال الكمال ابن العديم (١) ولما سار رضوان وبغيسيان وصلا إلى شيزر متوجهين إلى
__________________
(١) ما ننقله عن الكمال ابن العديم من هذه السنة إلى سنة ٥٤١ مأخوذ عن المنتخبات من بغية الطلب للكمال المذكور المطبوعة في باريس. انظر المقدمة صحيفة ٣٣.