أنهم كلهم يصدرون عن رأيه ، فكان أتابك زنكي لا شك يفعل ذلك لئلا يخلو السلطان فيتمكن منه ومن غيره ، فلما تفرغ السلطان هذه السنة جمع العساكر ليسيروا إلى بلاده ، فسير أتابك يستعطفه ويستميله ، فأرسل إليه السلطان أبا عبد الله بن الأنباري في تقرير القواعد فاستقرت الحال على مائة ألف دينار إمامية يحملها الشهيد إلى السلطان ليعود عنه ، فحمل عشرين ألف دينار أكثرها عروض وطلب أن يحضر الشهيد في خدمته فامتنع واعتذر باشتغاله بالفرنج ، فعذره وشرط عليه فتح الرها. وكان من أعظم الأسباب في تأخر السلطان عن قصد الموصل أنه قيل له إن مملكة البلاد لا يقدر على حفظها من الفرنج غير أتابك عماد الدين ، فإنها قد وليها قبله مثل جاولي سقاوة ومودود وجيوش بك والبرسقي وغيرهم من الأكابر ، وكان السلاطين يمدونهم بالعساكر الكثيرة ولا يقدرون على حفظها ، ولا يزال الفرنج يأخذون منها البلد بعد البلد إلى أن وليها أتابك فلم يمده أحد من السلاطين بفارس واحد ولا بمال ، ومع هذا فقد فتح من بلاد العدو عدة حصون وولايات وهزمهم غير مرة واستضعفهم وعز الإسلام به. ومن الأسباب المانعة له أيضا أن الشهيد كان لا يزال ولده الأكبر سيف الدين غازي في خدمة السلطان مسعود بأمر والده ، وكان السلطان يحبه ويقربه ويعتمد عليه ويثق به ، فأرسل إليه الشهيد يأمره بالهرب والمجيء ، إلى الموصل ، وأرسل إلى نائبه بالموصل يأمره أن يمنعه من دخول الموصل ومن المسير إليه ، ففعل ذلك وقال له : ترسل إلى والدك تستأذنه في الذي نفعله ، فأرسل إليه فعاد الجواب : إنني لا أريدك ما دام السلطان ساخطا عليك ، فألزمه بالعود إليه ، فعاد ومعه رسول إلى السلطان يقول له : إنني لما بلغني أن ولدي فارق الخدمة بغير إذن لم أجتمع به ورددته إلى بابك ، فحل هذا عند السلطان محلا كبيرا وأجاب إلى ما أراد الشهيد. ثم إن الأمور تقلبت وعاد أصحاب الأطراف خرجوا على السلطان فاحتاج إلى مداراة الشهيد وأطلق له الباقي مما تقرر عليه استمالة له.
سنة ٥٣٩
ذكر فتح الرها وغيرها من البلاد الجزرية
قال ابن العديم : كان أتابك زنكي لا يزال يفكر في فتح الرها ونفسه في كل حين تطالبه بذلك ، إلى أن عرف أن جوسلين صاحبها قد خرج منها في معظم عسكره في