سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لأمر اقتضاه ، فسارع أتابك إلى النزول عليها في عسكر عظيم ، وكاتب التركمان بالوصول إليه فوصل خلق عظيم ، وأحاط المسلمون بها من كل الجهات وحالوا بينها وبين من يدخل إليها بميرة وغيرها ونصب عليها المجانيق. وشرع الحلبيون فنقبوا عدة مواضع عرفوا أمرها إلى أن وصلوا إلى تحت أساس أبراج السور فعلقوه بالأخشاب واستأذنوا أتابك في إطلاق النار فيه ، فدخل إلى النقب بنفسه وشاهده ، ثم أذن لهم فألقوا النار فيه فوقع السور في الحال وهجم المسلمون البلد وملكوه بالسيف يوم السبت سادس عشر جمادى الآخرة وشرعوا في النهب والقتل والأسر والسبي حتى امتلأت أيديهم من الغنايم.
ثم أمر أتابك برفع السيف عن أهلها ومنع السبي ورده من أيدي المسلمين وأوصى بأهلها خيرا ، وشرع في عمارة ما انهدم منها وترميمه.
وكان جمال الدين أبو المعالي فضل الله بن ماهان رئيس حران هو الذي يحث أتابك في جميع الأوقات على أخذها ويسهل عليه أمرها ، فوجد على عضادة محرابها مكتوبا :
أصبحت صفرا من بين الأصفر |
|
أختال بالأعلام والمنبر |
دان من المعروف حال به |
|
ناء عن الفحشاء والمنكر |
مطهر الرحب على أنني |
|
لولا جمال الدين لم أطهر |
فبلغ ذلك رئيس حران فقال : امحوا جمال الدين واكتبوا عماد الدين ، فبلغ ذلك زنكي فقال : صدق الشاعر لولاه لما طمعنا فيها.
وأمر عماله بتخفيف الوطأة في الخراج وأن يأخذوه على قد مغلاتها.
ثم رحل إلى سروج ففتحها وهرب الفرنج منها ، ثم رحل فنزل على البيرة فحاصرها في هذه السنة. وجاء الخبر من الموصل أن نصير الدين جقر نائبه بالموصل قتل ، فخاف عليها وترك البيرة بعد أن قارب أخذها وسار حتى دخل الموصل وأخذ فرخانشاه ابن السلطان الذي قتل جقر وعزم على تملك الموصل ، فقتله بدم جقر وولى الموصل مكان الأمير زين الدين علي كوجك.
قال في الروضتين وفي الكامل : إن الرها من أشرف المدن عند النصارى وأعظمها محلا ، وهي أحد الكراسي عندهم ، فأشرفها البيت المقدس ثم أنطاكية ثم رومية ثم