مساعدته بذولا كثيرة وقال : إنني أكون ههنا نائبا عنكم ومطيعا لكم ، فساروا معه إليها وحصروها وقاتلوا قتالا شديدا ووطنوا نفوسهم على المقام الطويل وأنهم لا يفارقونها حتى يملكوها وبنوا البيوت لأجل البرد والحر. فلما رأى أهلها ذلك ضعفت نفوسهم وخافوا الهلاك وظهر لهم من صاحبهم تمرتاش الوهن والعجز وقلت الأقوات عندهم ، فلما رأوا ما دفعوا إليه من هذه الأسباب أعملوا الرأي في طريق يتخلصون به فرأوا أنه ليس لهم غير البرسقي صاحب الموصل ، فأرسلوا إليه يستنجدونه ويسألونه المجيء إليهم ليسلموا البلد إليه ، فجمع عساكره وقصدهم وأرسل إلى من في البلد وهو في الطريق يقول : إنني لا أقدر على الوصول إليكم والفرنج يقاتلونكم إلا إذا سلمتم القلعة إلى نوابي وصار أصحابي فيها ، فأنني لا أدري ما يقدره الله تعالى إذا أنا لقيت الفرنج ، فإذا انهزمنا منهم وليست حلب بيد أصحابي حتى أحتمي أنا وعسكري بها لم يبق منا أحد وحينئذ تؤخذ حلب وغيرها ، فأجابوه إلى ذلك وسلموا القلعة إلى نوابه. فلما استقروا فيها واستولوا عليها سار في العسكر التي معه ، فلما أشرف عليها رحل الفرنج عنها وهو يراهم ، فأراد من في مقدمة عسكره أن يحمل عليهم فمنعهم هو بنفسه وقال : قد كفينا شرهم وحفظنا بلدنا منهم والمصلحة تركهم حتى يتقرر أمر حلب وتصلح حالها وتكثر ذخائرها ثم حينئذ نقصدهم ونقاتلهم. فلما رحل الفرنج خرج أهل حلب ولقوه وفرحوا به وأقام عندهم حتى أصلح الأمور وقررها.
سنة ٥١٩ و٥٢٠
ذكر فتح البرسقي كفر طاب وانهزامه من الفرنج
وتولية البرسقي بابك ثم كافورا الخادم ثم ولده مسعودا على حلب
قال ابن العديم : في سنة تسع عشرة وخمسمائة في أواخر المحرم رحل البرسقي إلى تل السلطان ومنها إلى شيزر ، ثم أقام بأرض حماة أياما حتى وصل إليه أتابك طغتكين ، فرحل في عسكره التي لا تحد كثرة ونزل كفر طاب ، فسلمت إليه يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر وسلمها إلى صمصام الدين خير خان بن قراجا ، وكان قد وصل إليه من حمص والتقاه بتل السلطان ، وسار إلى عزاز وقاتلها ، ونقبت قلعتها فقصدهم الفرنج فالتقوا