ولما قرب من حلب رحل دبيس ناشرا أعلامه البيض إلى الفرنج عند قربه من حلب ، وتحولوا إلى جبل جوشن كلهم ، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنهبوها ونالوا منها ما أرادوا.
وخرج أهل حلب والتقوا قسيم الدولة عند وصوله وسار نحو الفرنج فانهزموا بين يديه من جبل جوشن وهو يسير وراءهم على مهل حتى أبعدوا عن البلد ، فأرسل الشاليشية وأمرهم أن يردوا العسكر ، فجعل القاضي ابن الخشاب يقول له : يا مولانا لو ساق العسكر خلفهم أخذناهم فإنهم منهزمون والعساكر محيطة بهم ، فقال له : يا قاضي تعلم أن في بلدكم ما يقوم بكم وبعسكري لو قدر علينا والعياذ بالله كسرة ، فقال : لا فقال : ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويكسرونا ويهلك المسلمون ، ولكن قد كفى الله شرهم وندخل إلى البلد ونقويه وننظر في مصالحه ونجمع لهم إن شاء الله ونخرج إليهم بعد ذلك.
ورجع ودخل البلد وتسلم قلعتها ونظر في مصالح البلد وقوّاه وأزال الظلم والمكوس وعدل فيهم عدلا شاملا وأحسن إليهم إحسانا كاملا. وكتب لأهل حلب توقيعا بإطلاق المظالم والمكوس نسخته موجودة بعد ما كان الحلبيون منوا به من الظلم والمصادرة من عبد الكريم والي القلعة وعمر الخاص والي البلد وتسليطهما الجند والأتراك على مصادرة الناس بحيث إنهم استصفوا أموال جماعة من الأكابر والصدور وغيرهم في حالة الحصار.
وأما الفرنج فإنهم توجهوا إلى الأثارب ودخلوا أنطاكية.
وشرع الناس في الزرع ببلد حلب في الثاني عشر من شباط وجعلوا يبلون الغلة بالماء ويزرعونها فنبتت وتداركت عليها الأمطار فأخصبت وجاءت الغلة من أجود الغلال وأزكاها.
زيادة بيان لأسباب استيلاء آقسنقر البرسقي على حلب
قال ابن الأثير : في هذه السنة في ذي الحجة ملك آقسنقر البرسقي مدينة حلب وقلعتها ، وسبب ذلك أن الفرنج لما ملكوا مدينة صور على ما ذكرنا طمعوا وقويت نفوسهم وتيقنوا الاستيلاء على بلاد الشام واستكثروا من الجمع ، ثم وصل إليهم دبيس بن صدقة صاحب الحلة [ من أعمال بغداد ] فأطمعهم طمعا ثانيا لا سيما في حلب وقال لهم : إن أهلها شيعة وهم يميلون إلي لأجل المذهب ، فمتى رأوني سلموا البلد إليّ ، وبذل لهم على