ترجمة أبي مسلم الخراساني :
قد ذكرنا في الحوادث خبر مجيئه إلى هذه البلاد بالجيوش لمقاتلة عبد الله بن علي عم السفاح وما حصل بينهما إلى أن انهزم عبد الله بن علي ، وأبو مسلم هذا هو القائم بالدعوة العباسية والمشيد لأركان خلافتهم والرافع لمنارها ، وأخبار قيامه ووقائعه كثيرة مبسوطة في ابن الأثير وغيره من مبسوطات التواريخ ، وبالجملة فهو من دهاة الرجال ونابغي ذلك العصر وله في ابن خلكان ترجمة حافلة نقتصر منها على ما يأتي : هو أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم وقيل عثمان الخراساني ، كان أبوه من رستاق فريدين من قرية تسمى سنجرد ، وقيل إنه من قرية يقال لها ما خوان على ثلاثة فراسخ من مرو ، وكانت هذه القرية له مع عدة قرى وكان بعض الأحيان يجلب إلى الكوفة المواشي ، ثم إنه قاطع على رستاق فريدين فلحقه فيه عجز وأنفذ عامل البلد إليه من يشخصه إلى الديوان ، وكان له عند أذين بنداد ابن وسيحان جارية اسمها وشيكة جلبها من الكوفة فأخذ الجارية معه وهي حامل وتنحى عن مودي خراجه آخذا إلى أذربيجان فاجتازوا على رستاق فايق بعيسى بن معقل بن عمير أخي إدريس بن معقل جد أبي دلف العجلي فأقام عنده أياما فرأى في منامه كأنه جلس للبول فخرج من إحليله نار فارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض ووقعت بناحية المشرق ، فقص رؤياه على عيسى بن معقل فقال له : ما أشك أن في بطنها غلاما ، ثم فارقه ومضى إلى أذربيجان ومات بها ووضعت الجارية أبا مسلم ونشأ عند عيسى ، فلما ترعرع اختلف مع والده إلى المكتب فخرج أديبا لبيبا يشار إليه في صغره ، ثم ساق بقية ما كان من أمره إلى أن أهدي إلى الإمام إبراهيم بن محمد العباسي ، ثم ولاه الإمام خراسان وكان من أمره ما كان إلى أن قال : ووصف المدائني أبا مسلم فقال : كان قصيرا أسمر جميلا حلوا نقي البشرة أحور العين عريض الجبهة حسن اللحية وافرها طويل الشعر طويل الظهر قصير الساق والفخذ خافض الصوت فصيحا بالعربية والفارسية حلو المنطق راوية للشعر عالما بالأمور لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته ولا يكاد يقطب في شيء من أحواله ، تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور وتنزل به الحوادث الفادحة فلا يرى مكتئبا ، وإذا غضب لم يستفزه الغضب ، ولا يأتي النساء في السنة إلا مرة واحدة ويقول : الجماع جنون ويكفي