الإنسان أن يجن في السنة مرة ، وكان من أشد الناس غيرة لا يدخل قصره غيره ، وكان في القصر كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه ، قالوا : وليلة زفت إليه امرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها. وقال ابن شبرمة : أصلح الله الأمير من أشجع الناس ؟ قال : كل قوم في إقبال دولتهم ، وكان أقل الناس طمعا وأكثرهم طعاما ، ولما حج نادى في الناس : برئت الذمة ممن أوقد نارا ، فكفى العسكر ومن معه أمر طعامهم وشرابهم في ذهابهم وإيابهم ومنصرفهم ، وهربت الأعراب فلم يبق في المناهل منهم أحد لما كانوا يسمعونه من سفكه الدماء ، قتل في دولته ستماية ألف صبرا فقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أم الحجاج ؟ قال : لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن الحجاج كان شرا منه. وكانت ولادته في سنة مائة للهجرة ، وكان أول ظهوره بمرو سنة تسع وعشرين وماية ، وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم لما صنعه ودبره ، وكان أبو مسلم عند ذلك ينشد في كل وقت :
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت |
|
عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا |
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم |
|
و القوم في غفلة بالشام قد رقدوا |
حتى طرقتهم بالسيف فانتبهوا |
|
من نومة لم ينمها قبلهم أحد |
و من رعى غنما في أرض مسبعة |
|
و نام عنها تولّى رعيها الأسد |
ولما مات السفاح في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وتولى الخلافة أخوه أبو جعفر وهو بمكة صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله ، وبسط المؤرخون الأسباب التي اتخذها إلى أن ظفر به وقتله ، قال ابن خلكان : وكان قتله في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة برومية المدائن.
قال ابن الأثير : وكان أبو مسلم نازكا شجاعا ذا رأي وعقل وتدبير وحزم ومروءة ، وقيل له : بم نلت ما أنت فيه من القهر للأعداء ؟ فقال : ارتديت الصبر وآثرت الكتمان وحالفت الأحزان والأشجان وسامحت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي وأدركت نهاية بغيتي ، ثم أنشد الأبيات المتقدمة.
وقال أيضا : إن أبا مسلم ورد نيسابور على حمار بإكاف وليس معه آدمي فقصد في بعض الليالي دار الفاذوسيان فدق عليه الباب ففزع أصحابه وخرجوا إليه فقال لهم : قولوا