أنطاكية فقتلت منهم خلقا كثيرا ولم يبق غير هزيمة صاحب أنطاكية ، فحينئذ عمد أصحاب جاولي إلى جنائب القمص وجوسلين وغيرهما من الفرنج فركبوها وانهزموا ، فمضى جاولي وراءهم فلم يرجعوا ، وكانت طاعته قد زالت عنهم حين أخذت الموصل منه ، فلما رأى أنهم لا يعودون معه أهمه نفسه وخاف من المقام فانهزم باقي عسكره ، فأما الإصبهبذ صباوو فسار نحو الشام وأما بدران بن صدقة فسار إلى قلعة جعبر ، وأما ابن جكرمش فقصد جزيرة ابن عمر ، وأما جاولي فقصد الرحبة ، وقتل من المسلمين خلق كثير ونهب صاحب أنطاكية أموالهم وأثقالهم وعظم البلاء عليهم من الفرنج ، وهرب القمص وجوسلين إلى تل باشر والتجأ إليهما خلق كثير من المسلمين ففعلا معهم الجميل وداويا الجرحى وكسوا العراة وسيراهم إلى بلادهم.
وفيها في فصح النصارى ثار جماعة من الباطنية في حصن شيزر على حين غفلة من أهله في مائة رجل فملكوه وأخرجوا من كان فيه وأغلقوا بابه وصعدوا إلى القلعة فملكوها ، وكان أصحابها بنو منقذ قد نزلوا منها لمشاهدة عيد النصارى ، وكانوا قد أحسنوا إلى هؤلاء الذين أفسدوا كل الإحسان ، فبادر أهل المدينة الباشورة فأصعدهم النساء في الحبال من الطاقات وصاروا معهم وأدركهم الأمراء بنو منقذ أصحاب الحصن فصعدوا إليهم فكبروا عليهم وقاتلوهم فانخذل الباطنية وأخذهم السيف من كل جانب فلم يفلت منهم أحد وقتل من كان على رأيهم في البلد اه.
سنة ٥٠٤
ذكر ملك الفرنج حصن الأثارب
قال ابن الأثير : في هذه السنة جمع صاحب أنطاكية عساكره من الفرنج وحشد الفارس والراجل وسار نحو حصن الأثارب وهو بالقرب من مدينة حلب بينهما ثلاثة فراسخ وحصره ومنع عنه الميرة ، فضاق الأمر على من به من المسلمين فنقبوا من القلعة نقبا قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية فيقتلوه ، فلما فعلوا ذلك وقربوا من خيمته استأمن إليه صبي أرمني فعرفه الحال فاحتاط الباقين ، ثم سار إلى حصن زردنا فحصره