وفي الروضتين : في ثامن عشر جمادى الآخرة وصل الخادم برتقش القاتل لعماد الدين زنكي وانفصل من قلعة جعبر لخوف صاحبها من طلبه منه ، فوصل دمشق موقنا أنه قد أمن بها ومدلا بما فعله وظنا منه أن الحال على ما توهمه ، فقبض عليه وأنفذ إلى حلب من صحبه من حفظته وأوصله ، فأقام بها أياما ثم حمل إلى الموصل وذكر أنه قتل بها.
ترجمته وشيء من سيرته :
قال ابن خلكان : هو أبو الجود عماد الدين زنكي بن آقسنقر بن عبد الله الملقب بالملك المنصور المعروف والده بالحاجب ، كان صاحب الموصل ، وكان من الأمراء المقدمين ، وفوض إليه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي ولاية بغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ، وكان لما قتل آقسنقر البرسقي وتوفي ولده مسعود ورد مرسوم السلطان محمود من خراسان بتسليم الموصل إلى دبيس بن صدقة الأسدي صاحب الحلة ، فتجهز دبيس للمسير ، وكان بالموصل أمير كبير المنزلة يعرف بالجاولي وهو مستحفظ قلعة الموصل ومتولي أمورها من جهة البرسقي ، فطمع في البلاد وحدثته نفسه بتملكها ، فأرسل إلى بغداد بهاء الدين أبا الحسن علي بن القاسم الشهرزوري وصلاح الدين محمد الباغيسياني لتقرير قاعدته ، فلما وصلا إليها وجدا الإمام المسترشد قد أنكر توليته دبيس وقال لا سبيل إلى هذا ، وترددت الرسائل بينه وبين السلطان محمود في ذلك ، وآخر ما وقع اختيار المسترشد عليه تولية زنكي ، فاستدعى الرسولين الواصلين من الموصل وقرر معهما أن يكون الحديث في البلاد لزنكي ، ففعلا ذلك وضمنا للسلطان مالا وبذل له على ذلك المسترشد من ماله مائة ألف دينار ، فبطل أمر دبيس وتوجه زنكي إلى الموصل وتسلمها ودخلها في عاشر رمضان سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
ولما تقلد زنكي الموصل سلم إليه السلطان محمود ولديه آلب أرسلان وفروخ شاه المعروف بالخفاجي ليربيهما ، فلهذا قيل له أتابك ، لأن الأتابك هو الذي يربي أولاد الملوك ، فالأتابك بالتركية هو الأب وبك هو الأمير ، فأتابك مركب من هذين المعنيين ، ثم استولى زنكي على ما والى الموصل من البلاد وفتح الرها سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، وكانت لجوسلين الأرمني ، ثم ساق خبر قتله.