تصدير
تعد مدينة حلب الشهباء من المدن العربية الإسلامية التي ضربت جذورها في أغوار التاريخ ، حتى كان لها شأن كبير في أيام الفتوحات الإسلامية لما لموقعها الجغرافي من أهمية عظمى ، فغدت محط القوافل التجارية وهدف الغزاة المغيرين وملتقى الشرق بالغرب ومركزا للتقلبات السياسية والحركات العلمية ، إذ عرفت في عصورها السالفة والحاضرة بمجالس العلم ومنتديات الأدب ، فأمها من كل حدب وصوب شداة المعرفة ينهلون من مساجدها ومدارسها وحلقات العلماء فيها شرابا سائغا هو مزيج من التفسير والفقه والأدب والنحو والمنطق والموسيقا والتاريخ والطب والفلك وغير ذلك من صنوف العلوم والفنون.
فكان حقيقا بمثل هذه المدينة العريقة أن تستحوذ على اهتمام المشتغلين بالتاريخ والآثار والعلوم فصنفت في تاريخها المصنفات الكثيرة التي بسطت في طياتها ما تعاقب فيها من أحداث وما قام فيها من حضارة وعمران. وظلت هذه الكتب تتوالى بين موسع وموجز وخاص وعام إلى مطالع هذا القرن حتى توجت بكتاب جامع يضم تاريخها السياسي الذي تشعث في عدد كبير من المراجع والمصادر ، ويعرّف بأعلامها على مر العصور من رجال الحكم والقضاء وأصحاب الشأن في مختلف الميادين السياسية والعلمية والأدبية والدينية والاجتماعية ، فكان كتاب « إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء » ، الذي قيض الله لتصنيفه عالما من أبنائها جليلا وبحّاثة ثبتا ومؤرخا ضليعا تفرغ للعلم فاخلص له وأقبل على التأليف فأبدع فيه.