سادس عشر ربيع الآخر وكسر البرسقي كسرة عظيمة واستشهد جماعة من المسلمين من السوقة والعامة ، ولم يقتل من الأمراء والمقدمين أحد. ووصل آقسنقر البرسقي سالما إلى حلب وأقام على قنسرين أياما وتفرقت العساكر إلى بلدهم ، ووصل أمير حاجب صارم الدين بابك بن طلماس فولاه البرسقي حلب وبلدها وعزل عنها سوتكين واليا كان ولاه.
ووقعت الهدنة بين البرسقي والفرنج على أن يناصفهم في جبل السماق وغيره مما كان بأيدي الفرنج. وسار البرسقي إلى الموصل فلم يزل الفرنج يعللون الشحن والمقطعين بالمحال في مغلّ ما وقعت الهدنة عليه العشرين من شعبان من السنة.
وسار بغدوين إلى بيت المقدس والرسول خلفه يعلمه بأن الفرنج لا يمكنون أحدا من رفع شيء من الصيافي وأخذ بعض متصرفي المسلمين بعض ارتفاع من الأماكن والهدنة على حالها ، فتجمع الفرنج ونزلوا رفنية ، وخرج شمس الخواص صاحبها طالبا آقسنقر البرسقي مستصرخا به ، وسلمها إليهم ولده المستخلف فيها في آخر صفر من سنة عشرين وخمسمائة. وقصدوا بلد حمص فشعثوه فجمع البرسقي العساكر وحشد وسار نحو الشام لحربهم حتى وصل الرقة أواخر شهر ربيع الآخر ، وسار إلى أن نزل بالنقرة على الناعورة في الشهر المذكور وأقام بها أياما والفرنج يراسلونه ، فراسله جوسلين على أن يكون الضياع ما بين عزاز وحلب مناصفة وأن يكون الحرب بينهما على غير ذلك فاستقر هذا الأمر.
وكان بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار وسر باريك ابن عمه قد توجه مع جماعة من التركمان إلى المعرة فأوقعوا بعسكر الفرنج وقتل المسلمون منهم مائة وخمسين وأسروا جفري بلنك صاحب بسرفوث من جبل بني عليم وأودع في سجن حلب ، وكان قد سير البرسقي ولده عز الدين مسعودا منجدا لصاحب حمص ، فاندفع الفرنج عنها فعاد عز الدين إلى والده فتركه بحلب وعزل بابك عن ولايتها وولاها كافورا الخادم إلى أن ينظر فيمن يوليه إياها ولاية مستقلة.
ورحل قسيم الدولة إلى الأثارب في الثامن من جمادى الآخرة من سنة عشرين وسير بابك بن طلماس في جماعة من العسكر والنقابين إلى حصن الدير المجدد فوق سرمد ففتحه سلما وقتل من الخيّالة بعد ذلك خمسين فارسا ، ونهب العسكر الغلال والفلاحين من سائر البلد الذي وصلت الغارات إليه ورفعوا الغلة جميعها إلى حلب وزحفوا إلى قلعة الأثارب