قسطنطينية والرها ، وكان على المسلمين من الفرنج الذين بالرها شر عظيم ، وملكوا من نواحي ماردين إلى الفرات على طريق شبختان عدة حصون كسروج والبيرة وجملين والموزر ، وكانت غاراتهم تبلغ مدينة آمد من ديار بكر وماردين ورأس عين والرقة ، وأما حران فكانت معهم في الخزي كل يوم قد صبحوها بالغارة ، وكانت الرها لجوسلين وهو عاتي الفرنج وشيطانهم والمقدم على رجالهم وفرسانهم. فلما رأى أتابك الشهيد الحال هكذا أنف منهم وكان يعلم أنه متى قصد حصرها اجتمع فيها من الفرنج من يمنعها فتعذر عليه ملكها لما هي عليه من الحصانة ولما هو عليه من المكر والشجاعة ، فأخذ في إعمال الحيل والخداع لعل جوسلين يخرج منها إلى بعض البقاع فتشاغل عنها بقصد ما جاورها من ديار بكر التي بيد الإسلام كحاني وجبل جور وآمد ، فكان يقاتل من بها قتالا فيه إبقاء وهو يسر حسوا في ارتغاء ، فهو يخطبها وعلى غيرها يحوم ويطلبها وسواها يروم ، ووكل بها من يخبره بخلو عرينها من آساده وفراغ حصنها من أنصاره وأجناده ، فلما رأى جوسلين اشتغال الشهيد بحرب أهل ديار بكر ظن أنه لا فراغ له إليه وأنه لا يمكنه الإقدام عليه.
قال في الكامل : وفارق جوسلين الرها وعبر الفرات إلى بلاد الغربية فجاءت عيون أتابك إليه فأخبروه الخبر فنادى في العسكر بالرحيل وأن لا يأكل معي على مائدتي هذه إلا من يطعن غدا معي بباب الرها ، فلم يتقدم إليه غير أمير واحد وصبي لا يعرف لما يعلمون من إقدامه وشجاعته وأن أحدا لا يقدر على مساواته في الحرب ، فقال الأمير لذلك الصبي : ما أنت في هذا المقام ، فقال أتابك : دعوه فو الله إني أرى وجها لا يختلف عني ، وسار العساكر معه ووصل إلى الرها ، وكان هو أول من حمل على الفرنج ، ومعه ذلك الصبي وحمل فارس من خيالة الفرنج على أتابك عرضا فاعترضه ذلك الأمير فطعنه فقتله وسلم الشهيد ، ونازل البلد وقاتله ثمانية وعشرين يوما فزحف إليه عدة دفعات وقدم النقابين فنقبوا سور البلد ولج في قتاله خوفا من اجتماع الفرنج والمسير إليه واستنقاذ البلد منه ، فسقطت البدنة التي نقبها النقابون وأخذ البلد عنوة وقهرا وحصر قلعته فملكها أيضا ، ونهب الناس الأموال وسبوا الذرية وقتلوا الرجال ، فلما رأى أتابك البلد أعجبه ورأى تخريب مثله لا يجوز في السياسة ، فأمر فنودي في العساكر برد ما أخذوه من الرجال والنساء والأطفال إلى بيوتهم وإعادة ما غنموه من أثاثهم وأمتعتهم ، فردوا الجميع عن آخره لم