يفقد منه شيء إلا الشاذ النادر الذي أخذ وفارق من أخذه العسكر ، فعاد البلد على حاله الأول وجعل فيه عسكرا يحفظه.
قال في الروضتين : وسار عنه فاستولى على ما كان بيد الفرنج من المدن والحصون والقرايا كسروج وغيرها وأخلى الديار الجزرية من معرة الفرنج وشرهم وأصبح أهلها بعد الخوف آمنين ، وكان فتحا عظيما طار في الآفاق ذكره وطاب بها نشره وشهده خلق كثير من الصالحين والأولين.
قال ابن الأثير : حكى لي جماعة أعرف صلاحهم أنهم رأوا يوم فتح الرها الشيخ أبا عبد الله بن علي بن مهران الشافعي وكان من العلماء والزاهدين في الدنيا المنقطعين عنها وله الكرامات الظاهرة ، ذكروا عنه أنه غاب عنهم في زاويته يومه ذلك ثم خرج عليهم وهو مستبشر مسرور عنده من الارتياح ما لم يردّه أبدا ، فلما قعد معهم قال : حدثني بعض إخواننا أن أتابك زنكي فتح مدينة الرها وأنه شهد معه فتحها يومنا هذا ، ثم قال : ما يضرك يا زنكي ما فعلت بعد اليوم ، يردد هذا القول مرارا ، فضبطوا ذلك اليوم فكان يوم الفتح. ثم إن نفرا من الأجناد حضروا عند هذا الشيخ وقالوا له : منذ رأيناك على السور تكبر أيقنا بالفتح ، وهو ينكر حضوره وهم يقسمون أنهم رأوه عيانا ، قال : وحكى لي بعض العلماء بالأخبار والأنساب وهو أعلم من رأيت بها قال : كان ملك جزيرة صقلية من الفرنج لما فتحت الرها وكان بها بعض الصالحين من المغاربة المسلمين ، وكان الملك يحضره ويكرمه ويرجع إلى قوله ويقدمه على من عنده من الرهبان والقسيسين ، فلما كان الوقت الذي فتحت فيه الرها سير ملك الفرنج هذا جيشا إلى إفريقية فنهبوا وغاروا وأسروا ، وجاءت الأخبار إلى الملك وهو جالس وعنده هذا العالم المغربي وقد نعس وهو شبيه النائم فأيقظه الملك وقال : يا فقيه قد فعل أصحابنا بالمسلمين كيت وكيت ، أين كان محمد عن نصرتهم ؟ فقال له : كان قد حضر فتح الرها ، فتضاحك من عنده من الفرنج ، فقال لهم الملك : لا تضحكوا فو الله ما قال عن غير علم ، واشتد هذا على الملك فلم يمض غير قليل حتى أتاهم الخبر بفتحها على المسلمين فأنساهم شدة هذا الوهن رخاء ذلك الخبر لعلو منزلة الرها عند النصرانية. قال : وحكى لي أيضا غير واحد ممن أثق إليهم أن رجلا من الصالحين قال : رأيت الشهيد بعد قتله في المنام في أحسن حال فقلت له : ما فعل الله بك ؟