وقد التزمت أن لا أذكر إلا من كانت ولادته في الشهباء أو كان ممن توفي فيها ، وأما من نزلها ثم ارتحل عنها أو اجتاز بها فقد ضربت عنه صفحا لأن ذلك مما يطول شرحه ويحتاج إلى مجلدات كثيرة ، وجعلت أعيان كل قرن على حدة مبتدئا من القرن الثالث ( لأني لم أقف على تراجم لأحد منهم قبل ذلك ) إلى هذا العصر مرتبا لهم على مقتضى سني وفاتهم لتكون ترجمة المعاصر مقرونة مع معاصره تقريبا ، وسلسلة حوادثهم متصلة غير منفصلة أو قريبة الارتباط ببعضها ، وجدت أن ذلك أولى من ترتيبهم على حروف المعجم لأن ذلك يجعل من كان من أهل القرن الثالث مع من كان من أهل القرن الثالث عشر وهلمّ جرا فتختلط القرون ببعضها وتتبعثر سلسلة الحوادث فيصعب على القارىء التمييز ويحصل له من التشويش ما لا مزيد عليه. وما كان مطبوعا من مؤلفات علماء الشهباء أشرت إليه بذكره بين هلالين أثناء الترجمة أو في الذيل وأشرت إلى كثير مما هو غير مطبوع إلى المكتبة التي يوجد فيها هذا الكتاب ليسهل الاستحصال عليه لمن رام ذلك ، وهذا القسم في أربعة مجلدات تبلغ نحو ألفي صفحة ، وتنيف عدد التراجم فيه على ألف وخمسمائة ترجمة.
ومن مزايا تاريخي أني عزوت كل حادثة وكل ترجمة إلى الكتاب المنقولة عنه ، وما تجده غير معزو ، أو بعد كلمة أقول ، فإنه مما أملاه فهمي الفاتر وسطره قلمي القاصر ، قصدت بذلك أن يكون القارىء مطمئن البال وليسهل عليه الرجوع إلى الأصل عند اقتضاء الحال.
ويزيد ما تصفحته من الكتب عن ثلثمائة مجلد هذا غير المجاميع والأوراق المبعثرة التي ظفرت بها في الخزائن وما تلقيته من أفواه الرجال الذين أثق بهم ، ولا تسل عما تكبدته من المشاق وما تجشمته من المتاعب في سبيل الحصول على هذه المواد واقتناص شواردها وجمع شملها المتبدد حتى انتظم منها عقد هذا التاريخ وتراصفت مبانيه
و طالما واصلت ليلي بالسهر |
|
أرعى النجوم لالتقاطي الدرر |
كأنّ سلك عقدها المجره |
|
أضم فيه درة فدره |
على أن ما صرفته من ثمين الوقت وما لاقيته من المصاعب كنت أجده شرابا سائغا وموردا عذبا بجانب الغاية النبيلة التي كنت أقصدها وهي القيام بخدمة بلادي وأبناء وطني بكتاب يوقفهم على تاريخ أوطانهم ومآثر أسلافهم.