وطغتكين يردون الناس عنهم بالعصا ، فنزلوا بقرب معرة مصرين وعاد الترك عنهم إلى حلب وعادوا إلى أنطاكية وصالحهم إيلغازي إلى آخر سنة أربع عشرة على أن لهم المعرة وكفر طاب والجبل والبارة وضياعا من جبل السماق برسم هاب وضياعا من ليلون برسم تل أغدي وضياعا من بلد عزاز برسم عزاز.
وسار نجم الدين إيلغازي إلى ماردين ليجمع العساكر ، وهدم إيلغازي زردنا في شهر ربيع الأول ، وكان أهل حلب قد شكوا إليه تجديد رسوم جددت عليهم في أيام رضوان لم يجر بها عادة في دولة العرب ولا دولة المصريين ولا في أيام آقسنقر ، وأمر بكشف مقدارها فأخبر أنها مبلغ اثني عشر ألف دينار في كل سنة ، فرسم بحذفها ووقّع لهم بذلك وكتب لوحا وسمره على باب الجامع وذلك في هذه السنة.
وخرج الفرنج فقبضوا على الفلاحين الذين تحت أيديهم في هذه الأعمال من المسلمين وعاقبوهم وصادروهم وأخذوا منهم من الأموال والغلات ما تقووا به ، وكانت الضياع التي في أيدي المسلمين قد عمرت واطمأنوا بالصلح فغدر جوسلين وخرج فأغار على النقرة والأحص واحتج بأنه أسر له والي منبج أسيرا وأنه كاتب في ذلك فلم ينصف وذلك في شوال ، وقتل وسبى وأحرق كل ما في النقرة والأحص ونزل الوادي وعاث فيه ، ثم سار إلى تل باشر ، ثم عاد وحشد وخرج وعمل كفعله الأول وأخذ في غارته الأولى المشايخ والعجايز والضعفاء فنزع عنهم ثيابهم وتركهم في البرد عراة فهلكوا بأجمعهم ، فأنفذ والي حلب إلى بغدوين في ذلك وقال : إن نجم الدين لم يترك هذه البلاد خالية من العساكر إلا ثقة بالصلح ، فقال : مالي على جوسلين يد. وتتابعت من جوسلين غارات متعددة ، ثم خرج الفرنج من أنطاكية عقيب ذلك وأغاروا على بلد شيزر وأخذوا ما لا يحصى وأسروا جمعا وطلبوا المقاطعة التي جرت عادتهم قبل الوقعة بأخذها فبذل لهم ابن منقذ ذلك على أن يردوا ما أخذوه فلم يجيبوا إلى ذلك فحمل إليهم مالا وصالحهم إلى آخر السنة.
وهرب ملك العرب دبيس بن صدقة الأسدي من المسترشد والسلطان محمود فوصل إلى قلعة جعبر فأكرمه نجم الدولة مالك وأضافه ، ثم سار إلى إيلغازي إلى ماردين وتزوج ابنته فاشتد به وأجاره ووصل معه الأموال العظيمة والنعمة الوافرة وحمل إيلغازي ما يفوت الإحصاء ، فاشتغل بدبيس عن العبور إلى الشام فخرب بلد حلب واستولى الفرنج