ركب ذكر له القاضي ما ذكرته خاتون فساق أتابك دابته ولم يرد عليه جوابا ، فجذب القاضي أبو غانم بلجام دابته فوقفت وقال له : يا مولانا هذا الشرع لا ينبغي العدول عنه ، فقال له أتابك : اشهد علي أنها طالق ، فأرسل اللجام وقال : أما الساعة فنعم.
واستوحش الأمير سوار بن إيتكين من تاج الملوك بوري صاحب دمشق وكان في خدمته ، فورد إلى حلب إلى خدمة أتابك في سنة أربع وعشرين فأكرمه وشرفه وخلع عليه وأجرى له الإقطاعات الكثيرة وأعطاه ولاية حلب وأعمالها واعتمد عليه في قتال الفرنج ، وكان له بصيرة بالحرب وتدبير الأمور وله وقعات كثيرة مع الفرنج ومواقف مشهورة أبان فيها عن شجاعة وإقدام وصار له بسببها الهيبة في قلوبهم.
وعزم أتابك في هذه السنة على الجهاد ، وكتب إلى تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق يلتمس منه المساعدة فأجابه إلى ذلك وتحالفا على الصفاء. وكتب تاج الملوك إلى ولده بهاء الدين سونج بحماة يأمره بالخروج بعسكره وجهز إليه من دمشق خمسمائة فارس وجماعة من الأمراء مقدمهم شمس الخواص ، فخرجوا حتى وصلوا إلى مخيم أتابك على حلب فأكرمهم وتلقاهم وأقاموا عنده ثلاثا. ثم أظهروا الغارة على عزاز وركبوا وعطفوا على سونج وغدر به وبأصحابه ونهب خيامهم وأثقالهم وكراعهم ، وهرب بعضهم وقبض على سونج والباقين وحملهم إلى حلب فاعتقلهم ، وسار من يومه إلى حماة فأخذها يوم السبت ثامن شوال وأقام بها ، أياما وطلبها خير خان بن قراجا صاحب حمص وبذل عليها مالا فسلمها إليه بكرة الجمعة رابع عشر شوال وضربت بوفاته عليها وخطب له الخطيب على المنبر. فلما كان وقت العشي من ذلك اليوم قبض عليه ونهب خيامه وجميع ما فيها ، وسار فنزل حمص فقاتلها أربعين يوما لم يظفر فيها بطايل غير الربض ، وكان يربط خير خان على غراير التبن ويعاقبه ويعذبه أنواع العذاب ، وانتقم الله منه ببعض ظلمه في الدنيا وهو كان يحرض أتابك على الغدر بسونج فكافاه الله.
وهجم الشتاء فعاد أتابك إلى حلب في ذي الحجة.