فتحها عاملا وضم إليه جماعة وشحن النواحي المخوفة وسار إلى بالس ( مسكنة ) وبعث جيشا مع حبيب بن مسلمة إلى ( قاصرين ) ، وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منها وجعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام ، فلما نزل المسلمون بها صالحهم أهلها على الجزية والجلاء فجلا أكثرهم إلى بلد الروم وأرض الجزيرة وقرية حسر منبج ، ولم يكن الجسر يومئذ وإنما اتخذ في خلافة عثمان للصوائف ، وقيل بل كان له رسم قديم.
قال البلاذري : ورتب أبو عبيدة ببالس جماعة من المقاتلة وأسكنها قوما من العرب الذين كانوا بالشام فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام وقوما لم يكونوا من البعوث نزعوا من البوادي من قيس وأسكن قاصرين قوما ثم رفضوها أو أعقابهم ، وبلغ أبو عبيدة الفرات ثم رجع إلى فلسطين ، وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الأعلى والأوسط والأسفل أعذاء عشرية ، فلما كان مسلمة بن عبد الملك توجه غازيا للروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها وأهل يوبلس وقاصرين وعابدين وصفين وهي قرية منسوبة إليها فأتاه أهل الحد الأعلى فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الذي كان يأخذه ففعل فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة ووفوا بالشرط ورم سور المدينة وأحكمه ، ويقال بل كان ابتداء الفرض من مسلمة وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة.
قال ابن الأثير : وكان بجبل اللكام مدينة يقال لها جرجرومة وأهلها يقال لهم الجراجمة فسار حبيب بن مسلمة إليها من أنطاكية فافتتحها صلحا على أن يكونوا أعوانا للمسلمين ، وفيها سير أبو عبيدة بن الجراح جيشا مع ميسرة بن مسروق العبسي فسلكوا درب بغراس من أعمال أنطاكية إلى بلاد الروم وهو أول من سلك هذا الدرب فلقي جمعا للروم معهم عرب من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بهرقل فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم لحق به مالك الأشتر النخفي مددا من قبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية فسلموا وعادوا ، وسيّر جيشا آخر إلى مرعش مع خالد بن الوليد ففتحها على إجلاء أهلها بالأمان وأخربها ، وسيّر جيشا آخر مع حبيب بن مسلمة إلى حصن الحدث ، وإنما سمي الحدث لأن المسلمين لقوا عليه غلاما حدثا فقاتلهم في أصحابه فقيل درب الحدث ، وقيل لأن المسلمين أصيبوا به فقيل درب الحدث ، وكان بنو أمية يسمونه درب السلامة لهذا المعنى.