وبعبارةٍ اخرى : لقد اشترطنا في التبادر أن لا يكون مستنداً إلى قرينةٍ ، والقرينة إمّا خاصّة وامّا عامّة ، والقدر الممكن نفيه من القرائن هو القرائن الخاصّة ، لأنّا نعلم بعدم وجود كليّةٍ وجزئيّة ، وسببيّة ومسبّبية ، وكذا غير ذلك من القرائن الخاصة ، وأمّا القرائن العامّة ـ كالشهرة في المجاز المشهور ـ فلا سبيل لنفيها.
وقول المحقق العراقي بأن الملاك في مثلها هو الاطراد وعدمه ، بمعنى أنه إنْ كان المعنى ينسبق من اللّفظ في جميع موارد استعماله على حدّ سواء ، فهو المعنى الحقيقي. ففيه : إنه لا يتصوّر الاطّراد وعدمه في القرائن العامة ، لأنها دائماً موجودة مع اللّفظ ، ولا يمكن تجريده عنها ، فمن الصعب تحقّق صغرى التبادر في موارد احتمال وجود القرينة العامّة ، فيكون الكلام مجملاً ، وأمّا احتمال انسباق المعنى إلى ذهن العارف باللّسان على أثر كثرة استعمال اللّفظ فيه ، التي هي مقدّمة للوضع التعيّني ، فلا دافع له.
وثانياً : إنه لو تنزّلنا عمّا ذكر ، وسلّمنا انسباق المعنى من حاقّ اللّفظ بلا دخل لكثرة الاستعمال ، لكن السؤال هو : إن انسباقه من حاقّ اللّفظ أمر حادث لا بدّ له من علّة ، ولا علّة لهذا الانسباق إلاّ العلم بالوضع ، فالجاهل بالوضع لا يحصل له انسباق ، لكنّ العلم بالوضع يحتمل أن يكون ناشئاً من التبادر الذي قد عرفت الكلام فيه ، فكيف يحصل القطع بالوضع والمعنى الحقيقي؟
فالبرهان المذكور على قطعيّة هذه العلامة كما ذكره المحقّق الأصفهاني مردود بهذين الوجهين.
والذي يمكن الموافقة عليه وإقامة البرهان له هو : إن التبادر عند أهل اللّسان حجّة للجاهل وحجّة عليه ، لأنه مورد السيرة العقلائية القطعيّة مع عدم