يدعي أحدهما الإجماع ولا قائل به سواه أو يدعيه ويناقض نفسه في موضع آخر بدعوى الإجماع على خلافه في ذلك الحكم كما هو ظاهر للمتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير ، واما الاحتياط فهو عندهم ليس بدليل شرعي ، نعم بقي النص المذكور إلا انك قد عرفت ان الظاهر من تلك النصوص هو الإشعار بأن التأخير انما هو لرجاء حصول الماء وبذلك لا يتم ما ذكروه كليا ولا ينطبق على ما ادعوه جليا ، وبه ترجع هذه النصوص الى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا : «ان قوة الدليل النقلي لا تساعد عليه» وكيف لا تساعد عليه والظاهر منها انما هو ذلك كما عرفت من قوله (عليهالسلام) في جملة من تلك الأخبار : «فإن فاته الماء لم تفته الأرض». فإن مرمى هذه العبارة أظهر ظاهر فيما قلناه ، إذ المراد منها كما هو الظاهر من سياقها انه يؤخر التيمم الى آخر الوقت لعله يحصل له الماء فان اتفق عدم حصوله فالأرض قائمة مقامه فدلالتها على الرجاء أظهر ظاهر ، نعم لو اشتملت على مجرد الأمر بالتأخير من غير هذا التعليل تم ما ذكره ، وحينئذ فلو كان الماء مقطوعا بعدمه لم يكن لذكر هذه العبارة معنى بالكلية كما لا يخفى على ذي الذوق الصائب والفهم الثاقب.
و (ثانيا) ـ ان حمله الأخبار الدالة على التوسعة على ظن الضيق ثم انكشاف خلافه بعيد غاية البعد عن سياقها ، إذ لا إشعار في شيء منها بذلك فضلا عن الظاهرية بل ربما أشعر بعضها بخلافه مثل موثقة أبي بصير (١) وقوله فيها : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت؟.». فان عطف بلوغ الماء المقيد بقبلية خروج الوقت على التيمم والصلاة مشعر بكونه قد تيمم في السعة وظن الضيق لا يجامع هذا العطف ب «ثم» الدال بإطلاقه على تراخي مسافة وزمان بين الأمرين ، فإن ظهور السعة في مقام ظن الضيق انما يكون سعة يسيرة ربما لا تسع الطهارة والصلاة كما لا يخفى على المتأمل ، وبه يظهر ان حمله أخبار السعة على ما ترجع
__________________
(١) المروية في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب التيمم.