هنا ، لما عرفت آنفا ، وكذا احتمال صدقه ، فإنه جار في كل دعوى ، وكونه كذلك بحسب الواقع لا يوجب الخروج عن مقتضى الحكم الشرعي ظاهرا ، فان الشارع حكم بثبوت الحق مع قيام البينة مطلقا ، أعم من أن تطابق الواقع أم لا وحكم بسقوطه مع حلف المنكر مطلقا ، والحق المدعى هنا هو الرد ، فبالبينة يثبت ، فينبغي المطالبة ، وباليمين يسقط ، وتتوجه المطالبة بالمال ، وان احتمل بحسب الواقع براءة ذمته لصحة دعواه.
وبالجملة فهذا الحبس الذي ذكره في المقام لا أعرف له وجها ولا ذكره غيره من الاعلام ، ومقتضى الحكم الشرعي في المسئلة انما هو ما ذكرناه ، هذا بالنسبة إلى كلام الأصحاب في المسئلة.
وأما بالنسبة الى الاخبار فالذي وقفت عليه مما يتضمن الحبس ، الروايات المتقدمة في كتاب الدين (١) ، وموردها كلها أن الامام (عليهالسلام) يحبس في الدين إذ التوى الغريم حتى تبين له حاله من ملائه أو إفلاس ، فإذا تبين إفلاسه خلا عنه ، وفي رواية يدفعه إلى غرمائه ، وان تبين ملائته استوفى الحق منه ، وما نحن فيه لا تعلق له بما دلت عليه هذه الاخبار.
نعم روى الشيخ في الصحيح عن زرارة (٢) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : كان على (عليهالسلام) لا يحبس في السجن إلا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ظلما ، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وان وجد له شيئا باعه غائبا كان أو شاهدا» ،.
وهذا الخبر على ظاهره غير معمول عليه بين الأصحاب فيما أعلم ، ولذا حمله الشيخ على الحبس على سبيل العقوبة أو الحبس الطويل ، قال (قدسسره) : هذا الخبر يحتمل وجهين : أحدهما ـ انه ما كان يحبس على وجه العقوبة ، إلا الثلاثة الذين ذكرهم ، والثاني ـ انه ما كان يحبس طويلا إلا الثلاثة الذين
__________________
(١) ج ٢٠ ص ١٩٩.
(٢) التهذيب ج ٦ ص ٢٩٩ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٨ ص ١٨١ ح ٢.