السنة فأخبرت أبا عبد الله عليهالسلام بما أفتى به أبو حنيفة فقال : لي في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء مائها ، وتمنع الأرض بركتها ، قال : فقلت لأبي عبد الله عليهالسلام : فما ترى أنت قال : أرى أن له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كرى البغل راكبا من النيل الى بغداد ، ومثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة ، توفيه إياه ، قال : فقلت جعلت فداك : قد علفته بدراهم ، فلي عليه علفه؟ قال : لا ، لأنك غاصب ، فقلت : أرأيت لو عتب البغل أو نفق أليس كان يلزمني ، قال : نعم قيمة البغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فقال : عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب يوم ترده عليه ، قلت : فمن يعرف ذلك قال : أنت وهو ، إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك ، وان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة فيلزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين كرى كذا وكذا فيلزمك ، قلت : اني كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحللني فقال : إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ، ولكن ارجع اليه وأخبره بما أفتيك به ، فان جعلك في حل بعد معرفته ، فلا شيء عليك بعد ذلك ، قال : أبو ولاد فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري وأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله عليهالسلام وقلت له : قل ما شئت أعطيكه فقال : قد حببت الي جعفر بن محمد عليهالسلام ووقع في قلبي له التفضيل. وأنت في حل وان أحببت أن أرد عليك الذي أخذته منك فعلت».
أقول : ما دل عليه الخبر من أن القول في القيمة مع التلف قول المالك بيمينه ، خارج عن مقتضى القواعد الشرعية ، لأنه مدع ، ووظيفته البينة ، ومع عدمها فالقول قول المستأجر بيمينه ، لأنه منكر ، ومن ثم اختلف الأصحاب هنا في ذلك ، فذهب في النهاية إلى العمل بالخبر ، وجعل مقصورا على مورده ، وهو الدابة ، وذهب ابن إدريس الى أن القول قول المستأجر لأنه منكر ، ولم يفرق بين الدابة وغيرها ، وتبعه المتأخرون كالفاضلين ونحوهما غيرهما ،