وأطرحوا الخبر من البين ، والمسئلة لا تخلو من الاشكال ، وان كان ما ذهب اليه الشيخ لا يخلو عن قوة لصحة الخبر ، وصراحته ، فيخصص به عموم القاعدة المذكورة ، كما خصصوها في مواضع عديدة.
وما تضمنه الخبر من أنه مع التلف يضمن قيمة البغل يوم خالفه يؤيد القول المشهور في المسئلة ، وهي ما إذا تعدى في العين المستأجرة فإنه يضمن قيمتها وقت العدوان ، تنزيلا له منزلة الغاصب ، فإنه يضمن ، قيمة المغصوب يوم الغصب.
وقيل ، انه يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف.
وقيل : قيمتها يوم التلف ، وما أفتى به أبو حنيفة في هذه المسئلة مبني على مذهبه من أنه يملكها بالضمان ، فيذهب الضمان بالأجر ، وخالفه الشافعي ووافق الإمامية ، وانما حكم عليهالسلام في الخبر بأجرة المثل من الكوفة ، لأنه لم يقطع من الطريق المستأجر عليها شيئا ، لأنه عدل عنها من قنطرة الكوفة إلى النيل ، فلا يستحق من المسمى شيئا ، ولو كان قد قطع منها شيئا أخذ من الأجرة بالنسبة.
وفي الخبر أيضا دلالة على بطلان الصلح مع عدم تمكنه من أخذ حقه ، لأن حقه هنا ثابت شرعا ولكن فتوى أبي حنيفة قد حال بينه وبين أخذه ، وهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال كما تقدم في كتاب الصلح ، والله سبحانه العالم.
الثامنة عشر : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب بل وغيرهم في جواز إجارة الآدمي وان كان على كراهة بالنسبة إلى إجارته نفسه ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك في صدر هذا الكتاب ، ولا فرق بين الحر والمملوك ، ولا بين الذكر والأنثى ، وأنه متى كانت أنثى فالظاهر أنه يحرم على المستأجر منها جميع ما يحرم عليه قبل الإجارة ، الا أن العلامة في القواعد والمحقق الثاني في شرحه قد صرحا باستثناء النظر إلى المملوكة بإذن المولى ، واستشكل فيه بعض محققي متأخري المتأخرين ، لعموم الدليل ، فإنه ليس بعقد ولا تملك ، الا أن يجعل الاذن تحليلا وهو جيد.