النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخرة والفجر ، ثمّ غدا والناس معه ، فكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وقريش ترجو أن يكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله على نبيّه ( صلّى الله عليه وآله ) ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ) (١٢) يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم ، فلما رأت قريش أنّ قبة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شيء للذي كانوا يرجون من الإِفاضة من مكانهم حتى انتهوا إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأَراك فضربت قبته ، وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ومعه قريش (١٣) وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جنبها فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس ، إنّه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرّق الناس وفعل مثل ذلك بمزدلفة ، فوقف حتى وقع القرص قرص الشمس ، ثمّ أفاض وأمر الناس بالدعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام فصلّى المغرب والعشاء الاخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثمّ أقام حتى صلّى فيها الفجر وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل ، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أربعاً وستين ، أو ستّاً وستّين ، وجاء علي
______________________
(١٢) البقرة ٢ : ١٩٩ .
(١٣) في المصدر : ومعه فرسه .