قلنا : أما أنه لم يظهر ذلك قبل عود الأمر إليه تقية ، وخوفا بما يفضى إليه من وحشة المخالفة ، وأما بعد عود الأمر إليه ؛ فلأنه لم يعد إليه إلّا بالاسم دون المعنى ؛ فإنه ما زال منازعا [معارضا] (١) مبغضا من أعدائه ، وأن أكثر من بايعه شيعة من مضى من أعدائه ، ومن يعتقد / / أنهم مضوا على أعدل الأمور ، وأن / غاية من يأتى بعدهم تتبع آثارهم ، والاقتداء بسنتهم ؛ فبقى على ما كان عليه من التقية ، وخوف ثورات الفتنة بإظهار المخالفة والأمر بالعود إلى مذهبه. ولهذا قال ـ عليهالسلام ـ : «والله لو ثنى لى الوساد ، لحكمت بين أهل التوراة [بتوراتهم] (٢) ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الزبور بزبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم» (٣).
قولكم : إنه حكّم أعداءه ومكّنهم من خلعه.
قلنا : إنه ما فعل [ذلك] (٤) اختيارا ؛ بل اضطرارا على سبيل الإلجاء إليه ؛ وذلك أن معاوية ، وأصحابه لما تبين لهم استظهار عليّ ـ عليهالسلام ـ عليهم ، وأيقنوا بالعطب ، رفعوا المصاحف ، وأظهروا الرضى بما فيها ، وطلبوا التحكيم بحيلة وضعها معاوية ، وعمرو بن العاص ، ومكيدة لم تخف على عليّ ـ عليهالسلام ـ ؛ فتخاذل عنه أكثر الصحابة ، وتقاعدوا عن متابعته فى إبائه عن ذلك ؛ لعلمه بالمكيدة ، ومالوا إلى موافقة التحكيم مع الخصوم إما لفرارهم من شدة الزحف ، ومللهم من طول المنازلة ، وإما لدخول تلك الشبهة عليهم ؛ لغلظة أفهامهم ، وعدم اطلاعهم على المكيدة. ولم يزل يمتنع من ذلك ويحذرهم المكيدة إلى أن غلبوه على رأيه ، ورأى أن الإجابة إلى ذلك أولى ؛ دفعا لما علمه من سوء عاقبة المخالفة ، وافضاء الأمر إلى خروج أكثر أصحابه عنه ؛ واستظهار عدوه عليه استظهارا يكون فيه هلاكه ، وهلاك شيعته ، فأجاب إلى التحكيم على أن يكون الحكم بكتاب الله ، وسنة رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، فآل الأمر إلى ما آل. ومن قصد دفع الشر العظيم ، بالتزام شر هو دونه فى نظره ؛ لا يكون مخطئا ، ولا عاصيا.
__________________
(١) ساقط من أ.
/ / أول ل ١٦٦ / ب من النسخة ب.
(٢) ساقط من أ.
(٣) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٢٤.
(٤) ساقط من أ.