القرية التي كان فيها قرية طاغية ، إذ جاءته ملائكة الله ، فقالوا له عن أمر الله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (٦٥) [الحجر : ٦٥]. تأويل لا يلتفت منكم أحد : لا يعرج أحد منكم تلبيثا ، وسيروا كلكم جميعا سيرا حثيثا ، وليس تأويل لا يلتفت ، ما يظن العمي (٢) الميّت ، من الالتفات في النظر ، إلى ما (٣) وراء الظهر أو إلى (٤) ما عن الميامن والمياسر ، ولكنه استحثاث واستعجال ، كما يقول المستحث المعجال ، إذا أنذر أحدا أو أرسله ، فاستحثه واستعجله : لا تلتفت إلى شيء ولا تعرج له.
ثم قال ـ من بعد قصة إبراهيم وأبيه ـ ربّ العالمين ، لرسوله ومن معه من المؤمنين : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣) [التوبة : ١١٣]. فبيّن سبحانه أن من والى من عاداه ، فقد ضل عن حقه وهداه ، فمن جاور من ظلم وتعدّى ، وهو يجد من جواره بدا ، فقد قاربه بالمجاورة وداناه ، ومن دانى أحدا كما قلنا فقد وليه وتولّاه ، والمقاربة كما قلنا فهي ولاية وإن لم تكن مؤاخاة ، ولذلك ما (٥) طهر الله أولياءه من أن يجاوروا في دار ومحل أعداه ، فأمر تبارك وتعالى لوطا ، إذ كان (٦) من هاجر عنه ظالما مفرطا ، بالخروج عنهم والهجرة لهم ، كما هاجر عن من كان قبلهم.
وقال رب العالمين ، لمن بعد إبراهيم من الرسل والمؤمنين : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً
__________________
(١) في (ب) : إن (مصحفة).
(٢) في (ب) العم.
(٣) سقط من (أ) : ما.
(٤) في (أ) : وإلى.
(٥) ما : زائدة. وكثير ما يستخدمها الإمام في كتبه.
(٦) في (ب) : كان مهاجرا (مصحفة).