آخر الدهر.
فيا ويح معتذر أسلكته في مضايق الذل عجلته!! وألبسته ثوب الخضوع والاستكانة هفوته ، وأعلنت لصاحبه عليه يدا ، أكسبته حمدا ما كان الأبد أبدا ، ولربّ مغتبط بمنال شريف الثناء ، لو لا ما لا يأمنه (١) من قلة الاغتفار للأذى ، لرغب إلى الله فيه في كل صباح ومساء ، لتعظم باحتماله عند الناس حظوته ، (٢) وتكبر عندهم منزلته ، ومن نزغت به (٣) النزغات فيما بينه ، وبين صنو له ، كان بمودته ضنينا ، (٤) وله على ملمات دهره معينا ، فعزم على مقاطعته ، وباينه مباينة أهل عداوته ، وحاول به الغدر والمكر ليقطع من أسبابه (٥) أسبابه ، وفجع به أحبابه ، ثم لم يدفع غضبه بالرضى ، وصدوده بالوفاء ، ونزغة الشيطان بالحياء ، ويرجع إلى ما هو به أولى ، من محض (٦) الصفاء ، وخالص الإخاء ، ويميز ما مني به من الأمور المؤلمات ، وما كان قد أضحك (٧) به سنه وأطال به سروره في الليالي الخاليات ، فإذا أوضح له التمييز تطاول الحسنات على السيئات ، فأداسها بقدمه ، ولم يصفح عن صنوه وعن جرمه ، فليس من أهل الحكم ، ولا السامين إلى (٨) مراتب الهمم ، وعما قليل سيئول إلى الندم ، إذا تحاماه الإخوان ، وطرقه الزمان ، بما ليس له عليه أعوان.
وإن سلّ من قلبه السخائم ، (٩) وجرى في ميدان المكارم ، ولم يأت أمرا يكره أن
__________________
(١) في (ب) : لو لا ما يأمنه.
(٢) حظوته : مكانته.
(٣) في (ب) : فيه.
(٤) ضنينا : نجيلا. والمعنى أنه كان حريصا كل الحرص على مودته وصداقته.
(٥) السبب الحبل والمراد قطع علاقته به.
(٦) المحض : الخالص.
(٧) الضاحك : كل سن يظهر عند التبسم. والمعنى هنا إدخال السرور عليه حتى بدت ضواحكه من الفرح.
(٨) في (ب) و (د) : في.
(٩) السخائم : الأحقاد.