جفوته إذا جفا ، ولا تأخذه بالغاية القصوى ، فإن زل فأقل ، وإن قصّر فاحتمل ، وإن كملت عندك بصدق المعرفة خلالك ، وتيقنت أنك لا تجد كفؤا لك في مثل أخلاقك ، فلا تمحض مودتك لمن يكون بمعزل ، عما لست عنه فيه بذاهل ، واطّرح عنك ثقل مئونته ، وأدرج (١) له في مثل مودته ، فإن للناس مذاهب مختلفة ، وأخلاقا غير مؤتلفة.
يا بني : فإن الكامل (٢) في جميع الحالات ، المعدود في أهل المروءات ، لا يكلف الأخلاء ما يعدم في الطبع الذي ركّبت عليه الأجسام ، ولا يحمّلهم ما تقصر عن بلوغه الأفهام ، فلا تراود أحدا على ما لا يوجد في خليقته ، فتكون قد ظلمته بمراودتك له على معنى لا تناله مقدرته.
يا بني : وخالق الناس بالبشر والبشاشة ، واللين والطلاقة ، وسلامة الضمائر ، واستدعاء ما إليه يشخصون في الظاهر.
يا بني : وكن سهل الجناب (٣) تحمد ، وأكثر التّبذّل (٤) ترشد وتسعد ، ومن عاشرته من الناس يا بني فعاشره على قدر عقله ، ثم سائره على حسب ساعات نهاره وليله ، واجر مع كل يوم كما يجري ، فإن الأيام تقلّب المرء أطوارا وإن كان لا يدري ، فلا يذهب بك القياس ، إلى ما كان عليه في أمسك الذاهب الناس ، فإن لكل يوم وليلة ممرا ، (٥) يحول فيه عن سالف خلائقه المرء ، فإن من (٦) سعى مع يومه بغير ما يوافقه ، وخالقه بغير خلقه ، طالت (٧) معتبته على الصديق ، وكان كالسائر في غير الطريق ، فلا تذهب نفسك بالحسرات ، في طلب الوفاء ممن ليس لك بالموات ، (٨) ولا تشغل قلبك
__________________
(١) الإدراج : النزع قليلا قليلا.
(٢) في (ب) : الكل. تصحيف.
(٣) الجناب : القياد.
(٤) التبذل : ترك التصاون. والمعنى مخالطة الناس بلا كلفة.
(٥) في (أ) : ضمرا (تصحيف).
(٦) سقط من (ب) : من.
(٧) في (ب) : طلب. تصحيف.
(٨) الموات : الموافق.