الأولين من خلق الله لا (١) ولا من الآخرين ، بغير ما يرضي الله سبحانه من التقوى ، ويستحقه جل ثناؤه من الطاعة له والرضى ، إلا كانت وصلة حسرة وانقطاع ، وندم غدا واسترجاع ، يدعو أهلها فيها بالويل والعويل ، ويصيرون بها في الآخرة إلى خزي طويل ، ذلك قوله جل ثناؤه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٦٧) [الزخرف : ٦٧]. وقوله تعالى عن القائل غدا : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (٢٩) [الفرقان : ٢٨ ـ ٢٩].
ونحن نرجو وليكم (٢) الله أن يكون وصلة ما بيننا ، وما عقد الله ـ فله الحمد ـ عليه خلّتنا ، سببا عقده الله بالإيمان ، وأسّسه منه على رضوان ، فمن أحق بالتعظيم منا لما كانت الأبرار تعظمه ، ومن خير ما قدمناه فيه ما كانت الأتقياء تقدمه ، من كل ما كان لهم على بغيتهم من النجاة دليلا ، وإلى ما يلتمسون من فوز حياة الخلد عند الله سبيلا ، من التذكير من بقاء (٣) الآخرة وفناء الدنيا بما ذكر ، والأمر في عاجل هذه الدنيا من التقوى له بما به أمر.
فافهموا ذلك فهّمنا الله وإياكم سبيل الخير ، ونفعنا ونفعكم فيها بمنافع التذكير ، فإنه يقول سبحانه : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (٥٥) [الذاريات : ٥٥]. والدنيا وإن كان أمرها قصيرا ، وبقاء أهلها فيها قليلا يسيرا ، فاعلموا رحمكم الله أنها وإن كانت كذلك في البلوى ، فإنها متجر لأرباح فوائد التقوى ، ومكسب غنم لمن كسبها فيها ، ومحل مخصب لمن تزود إليها منها ، ومعبر لمن تبلّغ بها عند ظفره بكسبها ، إلى دار مقام ، ومحل دوام ، ليس عنها لمن نزلها انتقال ، ولا منها بعد طولها زوال (٤) ، والدنيا فإنما خلقها الله سبحانه لعبادته ، وأمر خلقه فيها بطاعته ، ونعاها إليهم
__________________
(١) سقط من (ب) : لا.
(٢) في (أ) و (ج) : نرجو إليكم.
(٣) في (ج) : لقاء.
(٤) سقط من (أ) و (ج) : زوال.