واعلم أنك دخلت الدنيا عند خروجك من بطن أمك باكيا عابسا ، فاجهد (١) أن تخرج منها ضاحكا مستأنسا ، لأن تبكي وأنت في الطريق ، خير من أن تبكي وأنت في وسط الحريق ، البكاء مع السلامة ، خير من البكاء مع الملامة ، اليوم ينفعك (٢) البكاء لو بكيت ندما ، وغدا لا ينفعك (٣) البكاء لو بكيت دما ، البكاء قبل المعاينة ، خير من البكاء يوم المباينة (٤) ، ابك لضعف فاقتك ، ابك لقلة طاقتك ، ابك لكثرة معاصيك ، ابك لعظم مساويك ، ابك لإفلاسك ، ابك لعدم إيناسك ، ابك لقلة عملك (٥) ، ابك لقلة حيلتك ، ابك لعدم (٦) وسيلتك ، ابك لكثرة وزرك ، ابك لثقل ظهرك ، ابك لفساد أمرك ، ابك لظلام قبرك ، ابك لقسوة قلبك ، ابك لخبث سرك ، ابك لمضي دهرك ، ابك لكشف سترك ، ابك لساعة موتك ، ابك لانقطاع حياتك ، ابك لغربتك في لحدك ، ابك لتوديع دارك ، ابك لتوقع قرارك ، ابك اليوم بوارك (٧) ، ابك لاستقبال أهوالك.
قال الوافد : كيف أصنع إذا لم أستطع البكاء ولم تدمع العين؟!
قال العالم : ما جمدت (٨) العيون إلا بقساوة القلوب (٩) ، وما قست القلوب إلا من كثرة الذنوب ، وما كثرة الذنوب إلا برضى للعيوب ، وما وقع الرضى بالعيوب إلا بعد
__________________
(١) في (ب) و (ج) : فاجتهد.
(٢) في (ج) : لا ينفع.
(٣) في (ج) : لا ينفع.
(٤) في (ج) : المعاينة. وفي (ب) : قبل المعاتبة ، خير من البكاء عند المعاتبة.
(٥) في (أ) و (ج) : عمرك.
(٦) في (أ) و (ج) : لعظم. مصحفة.
(٧) سقط من (ج) : ابك ليوم بوارك.
(٨) في (أ) : ما جمدت العين إلا من قساوة القلب ، ما قسى القلب إلا من كثيرة الذنب ، وما كثر الذنب إلا بالرضاء وبالعيوب. وفي (ج) : ما جمد العين إلا بقساوة القلب ، وما قساوة القلب إلا بكثرة الذنوب ، وما كثرة الذنوب إلا برضاء العيوب ، وما رضاء العيوب إلا بكثرة الذنوب. وفي (ب) : وما كثرة الذنوب إلا بالإصغاء إلى العيوب. ولفقت النص من الجميع.
(٩) في (ب) : العيون إلا من قساوة القلوب.