بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحسن الكلم كلامه ، وأعدل الحكم في الأمور كلها أحكامه ، فحكمه أفضل الفضول ، وقوله فأنور القول ، وعلى قدر بعده من الخلق في التعالي والجلال ، بعد منهم فيما حكم به وقاله من المقال ، فكان قوله نورا وهدى وروحا ، وحكمه كله مصلحا مشروحا ، فلن يدخل قوله عوج ولا أود ، ولن يلم به جور ولا ظلم مفند ، كله رشد ونور وحياة ، وهدى وبر ومصلحة ونجاة ، فمن حيي بروحه في الدنيا لم يمت فيها بضلاله أبدا ، ومن قارنه في دنياه قارنه في آخرته فوزا مخلدا.
نزل الله لرحمته به كتابا وفرقانا ، وبيّن تنزيله كل شيء تبيانا ، كما قال سبحانه لرسوله، صلىاللهعليهوآله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل : ٨٩] ، فليس بعد قوله : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى) فاقة ولا حاجة في شيء منهن للمؤمنين. وكل ما نزل الله سبحانه من ذلك في القرآن ، وفصّل به وفيه من التبيان ، فقول منه ـ لا إله إلا هو ـ لا كالأقوال ، ذو بهجة ونور وحياة وبهاء وجلال ، وكلام بان عنه سبحانه بصوت لا كالأصوات ، صوت كريم لا يحله مصنوع اللهوات ، ولم يقطعه عواجز الأفواه ، ولم يخرج من بين جوانح وشفاه ، ولو أنه من تلك كان ، وعنها من الله بان ، لكان لما كان من مثل ذلك مثلا وكفيا ، ولما كان كما جعله الله نورا وحيا ، (١) حتى يهدى بنوره من ظلم الضلالة ، ويحيى بروحه من مات من أهل الجهالة ، حتى يرى بعد موته ـ لإحيائه له ـ حيا ، وحتى يمشي به من هداه مبصرا بعد أن كان عميا ، قال الله سبحانه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٢) [الأنعام : ١٢٢] ، وقال سبحانه : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي
__________________
(١) في (أ) و (ب) : وروحا. ولعل ما أثبت هو الصواب.