فيما أمر به من ذلك ما هو أكثر التوارث بحد مسمى موصوف ، من سدس وثلث وربع ، في مفترق من المواريث ومجتمع ، كرجل ترك ابنه وأبويه ، فلكل واحد من الأبوين السدس لا يزاد عليه ، فإن تركهما وزوجة ، كان لها الربع فريضة ، وللأم ثلث ما يبقى وهو الربع من جميع المال ، وكذلك ما سمى من مواريث الأقربين في مختلفات الأحوال.
وكما أمر به من صلاة ركعتين في الحضر والسفر ، ثم زيد في فرضها فجعلت أربعا في الحضر ، وكقوله في التخفيف ، والوضع لرحمته من التكليف : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦]. فنقص ووضع من ذلك عنهم فرضا كان موظّفا ، وأشياء كثيرة لما تسمع وترى ، في أمور جمة لا يحصيها كتابنا أخرى.
فهذه وجوه من الزيادة والتخفيف في الفرض ، لا يشك من يعقل في أن بعضها من بعض ، ليس في شيء منها اختلاف ولا تناقض ولا بداء ، كما زعم (١) من كان في كتاب الله وأحكامه ملحدا ، بل كلها بمنّ الله مؤتلف متقن ، وجميعها فمصدّق بعضه لبعض محقّق (٢) ، ليس فيها ـ والحمد لله ـ لأحد مقال ، يلحد به فيه إلا مفتر بطّال.
ومن ذلك ما يذكر عن الإنجيل وفيه ، من قول عيس صلى الله عليه : (إني لم آتكم بخلع التوراة ولا بخلافها ، ولم أبعث إليكم لنقض شيء مما جاءت به الرسل من وظائفها ، ولكني جئت لذلك كله مثبتا ، ولما أماته ذلك كله مميتا ، وبحق أقول لكم : إنه لن يبيد الله وصيته حتى تبيد وتنتقض ، السماوات والأرض ، وقد قيل لكم في التوراة : لا تقتلوا النفس المحرمة ، ومن قتلها فإن الله يدخله جهنم المحرقة ، وأنا أقول لكم : إن من قال لأخيه شتما يا أرغل ـ والأرغل (٣) هو الذي لم يختتن ـ فإن له في الآخرة بشتم أخيه نار جهنم) (٤) وهذا فمن زيادة الفرض وتوكيده ، ومن رحمة الله للعباد في حكمه
__________________
(١) فى المخطوطتين : كمن من كان .... ولعلها مصحفة. والصواب ما أثبت.
(٢) لعلها : متحقق. والله أعلم.
(٣) في المخطوطتين : الأرغرل. والصواب ما أثبت ، سيما وقد ذكر ذلك الإمام بنفسه في الرد على النصارى.
(٤) نص الإنجيل هكذا : (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل ، فإني ـ