وليس مما يحتاج إليه فيما سألتم عنه من الجواب ، وليس يحرم في مأكل ولا مطعم ، إلا ما حرم الله في كتابه المحكم ، ومن ذلك ما ذكر في هذه الآية وغيرها ، من أشياء كثيرة لا يحتاج في جوابكم هذا إلى تفسيرها.
منها : أكل أموال اليتامى ظلما.
ومنها : أكل ما جعله الله من الربا محرما.
ومنها : أكل أموال الناس بالباطل ، كثيرا مما نهى الله عن أكله لكل آكل ، فقال سبحانه : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٨) [البقرة : ١٨٨] ، وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٣٠) [آل عمران : ١٣٠] ، وقال سبحانه : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) [النساء : ٢٩ ـ ٣٠] ، فحرم الله هذا كله إذا كان لمسلم ملكا ومالا ، مواتا كان أو حيوانا ، ولم يحرم سبحانه على طاعم أن يطعمه من حيوان الأنعام ، إلا ما ذكر الله في الآية مما خصه بالذكر من الحرام ، فأحل سبحانه ذلك كله مستحلا ، ولم يحرم شيئا منه تحريما ، فأحل ما حرم منه وفيه ، لمن اضطر من المؤمنين إليه ، وفي إجلاله لذلك وإفضاله ، وما منّ به فيه من جلاله ، ما يقول سبحانه: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٧٣) [البقرة : ١٧٣] ، وليست المغفرة هاهنا من ذنب ، ولا عن حرام مرتكب ، ولكنها مغفرة تخفيف ، ورحمة فيما وضع من التكليف.
٢٠٧ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٨ ، ١٠٧]؟
فهي سماوات الآخرة وأرضها الباقية ، وليست سماوات هذه الدنيا ولا أرضها التي هي زائلة فانية. وأما (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) [هود : ١٠٨ ، ١٠٧] ، فإنما هو [إخبار] عن قدرة الله على إفنائها إن شاء ، وذلك فهو كذلك إذ كان هو الذي خلق وأنشأ ، لأنه لا يقدر