أحد أبدا على أن يبقي شيئا تخليده وإبقاءه ، إلا من يقدر أن يفنيه فلم يشاء سبحانه إفناءه، ولكنه شاء تخليده وإبقاءه ، وأخبر بقدرته إن شاء على الإفناء ، كما قدر على الإبقاء ، وأن أهل الجنة فيها بإبقائه لهم باقون ، فإنهم خالدون فيها أبدا لا يفنون ، وكما لا تفنى أرضهم فيها ولا سماؤهم ، فلذلك لا يفنى (١) ـ ما بقيت الجنة ـ بقاؤهم ، والحمد لله الذي لا يخلف وعده ، ولا يخلد من الأشياء إلا ما خلّده.
٢٠٨ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢) [يس : ١٢]؟
فقال : فإنه يقول سبحانه في علم عليم ، ولا يتوهم أن ذلك إمام من الكتب ، وأن اللوح لوح من خشب ، فإنما يراد بها ومثلها ، إحاطة الله بعلمها كلها (٢) ، لأن أحفظ ما يحفظ الآدميون ، ما يوقعون في الكتب ويكتبون ، فمثّل الله ذلك لهم من علمه وحفظه بما يعرفون ، وأخبرهم أن الذي عنده سبحانه من ذلك وفيه كله على خلاف ما يصفون ، لفرق ما بينه وبين خلقه في كل صفة ، وليعرفوه في ذلك كله من الفرق بما يجب من المعرفة.
٢٠٩ ـ وسألته : عن قول الله سبحانه : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الأنعام / ٥٤ ، الأعراف / ٤٦ ، الرعد / ٢٤ ، النحل / ٣٢ ، القصص / ٥٥ ، الزمر / ٧٣]؟
فليست عليهم بتحية ولا تسليم ، ولكنها جهرة لهم وقطعة (٣) بينه وبينهم وتكليم.
٢١٠ ـ [وسألت : عن (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦)] [الرحمن : ٦]؟
وأما ما سألت عنه من (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦) ، فتأويله يخضعان لله ويذلان ، بكل ما فيهما من أصل وفرع ، أو مفترق من أفنانهما أو مجتمع (٤).
__________________
(١) في المخطوط : فذلك لا تفنى. ولعلها تصحفت.
(٢) في المخطوط : بعلمه كله. ولعل الصواب ما أثبت.
(٣) لم يتضح معنى العبارة. ولعلها مصحفة.
(٤) أفنان : جمع فنن ، وهو الغصن. لأن النجم من الشجر ما ليس له ساق ، والشجر ما له ساق. وأشار في الأصل إلى بياض هنا.