إن الأرض لا تخلو من حجة لله ، والحجة عنده كتب الله وحقائق برهانه ، وهذه حجة الله على جميع خلقه ، وإنه لا بد أيضا في كل قرن من أن يكون فيهم عالم هو أفضلهم وأعلمهم، وإن لم يبلغ علم من مضى قبله ، فهو في أيامه ودهره في فهمه وعلمه ، وإن قصر [عن] مبلغ أفاضل العلماء من آل النبي الذين مضوا ، في ما تقدم في أول الإسلام وخلا ، لأنه لا يقول أحد يعقل وينصف : أن كان بعد علي عليهالسلام من علماء آل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، [من] كان من العلم والفقه على مثل ما كان عليّ صلى الله عليه قد أحاط به وآتاه ، كما لم يكن علي عليهالسلام في فضل علمه ، يبلغ ما آتى الله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من فضائل الحكمة والعلم والفضل في جميع أحواله.
وأما ما كان يروى : (أن من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية) (١) ، فتفسيره واضح مشروح ، أن الله قد فرض على خلقه في كل حين ، إقامة أحكامه وشرائعه التي نزل في كتابه وسنن نبيه ، ولا يقيم ما فرض الله من الأحكام إلا أن يحكم بها الإمام ، فإن لم يكن إمام يقيمها ويحكم بها ، كان على الناس طلبه حتى يقيموه للأحكام وينفذها ، فإذا كانت دار الإسلام قد علت عليها أئمة الجور ، لزم أهل الإسلام مجاهدتهم وإزالتهم حتى يقيموا إماما عدلا ، يؤمهم ويقيم أحكامهم عليهم ، وينفذ مقاسم الفيء التي أمر الله بقسمها فيهم ، فإن كان الغالب عليهم الجورة من الأئمة الظلمة ، كان الفرض من الله فيهم المحاربة والمجاهدة ، فإنما الناس أبدا بين أمرين ، إما إن يكون مع إمام حق يقوم بأحكام الله في الدين ، فيكونوا مؤتمين بإمام حق ورشد في الدين ، وإن كانوا في دولة الظالمين العاصين ، فيلزمهم أن يكونوا لهم مجاهدين محاربين ، فهم أيضا في هذه الحال مأمومين ، والناس في كل حين بين فريضتين من الله لازمتين ، فيما حكم الله به من أحكام الدين ، فرض طاعة إمام حق إن كان ظاهرا قائما ، أو فرض مجاهدة إمام جور إذا كان عاليا ظالما.
٢٦١ ـ وسألته : من أين جاء فساد إمامين في عصر واحد؟
__________________
(١) سبق تخريجه.