وظهوره وظلمته ، فقد أتى على ذلك كله استجارة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واستعاذته ، وغسق الليل ووقوبه : فهو وجوبه.
وأمر الله سبحانه رسوله (١) صلىاللهعليهوآلهوسلم مع استعاذته به من شر الليل والنهار ، أن يستعيذ به ـ لا شريك له ـ من شر السواحر والسحار ، والسواحر : هن النفاثات في العقد (وأمره أن يستعيذ به من شر الحاسد عن الحسد إذا حسد) (٢) ، والنفث : فهو التفل على العقدة إذا عقدت ، والعقد : فهي عقد (٣) يعقدها السواحر في خيط أو سير ، وسواء كان العقد كبيرا أو غير كبير ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالاستعاذة من شر الحاسد عند حسده ، من مباينته بجسده (٤).
تأويل (إِذا) ـ هاهنا ـ عند ، وسواء قيل : عند ، أو إذا ، معنى هذا هو معناه ، (وشر الحاسد ما يكون من ضره ومكره وعداوته وكيده وغير ذلك) (٥) ، وليعلم ـ إن شاء الله ـ من قرأ تفسير هذه السور الثلاث وما بعدها من التفسير ، أن كل ما فسرنا من ذلك كله فقليل من كثير ، وأن كل سبب من كلمات الله فيه فموصول بأسباب ، عند من خصه الله بعلمها من أولي النهى والألباب ، لا ينتهى فيه إلى استقصائه ، ولا يوقف منه على إحصائه ، كما قال سبحانه : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (٤٩) [الكهف : ١٠٩] ، فكلام الله جل ثناؤه في الحكمة والتبيين والهدى ، فما لا يدرك له أحد غير الله منتهى ولا مدى ، وكلام غير الله في الحكمة وإن كثر وطال ، وتكلم منه (٦) قائله بما شاء من الحكمة فأقصر أو أطال ، فقد يدرك غيره من الخلق غايته ومنتهاه ، وكل وجه من وجوه كلامه فلا يفتح وجها سواه ؛ لأن علمه ينفد ، وكله فيحصى
__________________
(١) في (أ) : رسول الله.
(٢) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٣) في (ب) : فهي جمع عقدة.
(٤) سقط من (ب) : مباينته بجسده.
(٥) سقط من (ب) : ما بين القوسين.
(٦) في (ب) : فيه.