الغاية ، وأما إذا كان ما بعدها امرا قابلا لذلك فنفس الكلام يدل على كونه محكوما بحكم ما قبله من وجوب أو استحباب ، بداهة ان الغاية الموجبة لا يجاب امر آخر تكون بنفسها واجبة بالطريق الأولى.
إذا وضح ما ذكرناه فقد ظهر دلالة الآية بمنطوقها على وجوب العمل بقول المنذر المتفقه وان لم يحصل العلم ، ولا الاطمئنان بصدقة ومطابقة قوله للواقع ، بل دلالتها أظهر من آية النبأ ، غايته انها تدل على حجية مطلق الخبر ، فيقيد بما دل على اعتبار العدالة في المخبر.
وقد أورد على الاستدلال بها بإيرادات.
الأول : ان الآية انما سيقت لبيان النفر والإنذار ، لا ترتب الحذر عليه ، فليس لها إطلاق من حيث وجوب الحذر ، حتى حكى عن شرح الأربعين (١) ما ملخصه : ان الاستدلال لحجية الخبر بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما» (٢) ليس بأدون من الاستدلال عليها بآية النفر ، وحينئذ فالمتيقن من مورد وجوب الحذر خصوص ما لو حصل للمنذر ـ بالفتح ـ اطمئنان من الخارج أو من نفس الخبر لاحتفافه بقرينة قطعية.
وفيه : أولا : ان تخصيص وجوب الحذر عند إنذار المنذر بما إذا حصل الاطمئنان بصدقة مناف لأخذ عنوان الإنذار موضوعا للحكم ، فان العمل حينئذ انما هو بالاطمينان من دون خصوصية للإنذار ، وذلك يستلزم رفع اليد عن عنوان الموضوع ، وهو خلاف ظاهر الدليل ، ومن هنا قدمنا أدلة عاصمية الماء الجاري على أدلة انفعال الماء القليل ، وبنينا على عدم انفعال الجاري القليل مع ان النسبة بينهما عموم من وجه ، والوجه فيه ان تقديم أدلة الانفعال يستلزم إلغاء عنوان الجاري
__________________
(١) الأربعين للشيخ البهائي : ٧٠ ـ ٧١.
(٢) الخصال : ٢ ـ ٥٤١.