ومن هنا ادعى صاحب الحدائق (١) في مقدمة كتابه القطع بصدور جميع ما في الكتب الأربعة ، فهذا العلم الإجمالي الّذي لا شبهة فيه يوجب الاحتياط بالعمل على طبق جميعها.
وأورد الشيخ قدسسره على هذا الوجه بان هذا العلم الإجمالي لو كان منجزا لزم العمل على طبق جميع الأمارات غير المعتبرة ، كالشهرة والفتاوى والإجماعات المنقولة ، للعلم إجمالا بمطابقة بعضها للواقع ، فلا ينحصر أطراف الاحتياط بالأخبار المروية في الكتب المعتبرة (٢). ومن هنا يمكن أن يقال : بان لازم ذلك هو الاحتياط حتى في الاخبار المروية في الكتب غير المعتبرة من كتب الخاصة وغيرهم ، للعلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع جزما ، وان في جملتها ما هو صادر قطعا ، ولم يلتزم به أحد.
وقد أجاب عنه المحقق الخراسانيّ (٣) وأجاد بما حاصله : ان للعلم الإجمالي مراتب ثلاث.
الأولى : العلم الإجمالي الكبير ، وأطرافه جميع الشبهات ، أعني به العلم بثبوت تكاليف وأحكام في الشريعة ، وهذا العلم حاصل لكل عاقل ملتفت إلى معنى الشرع والشريعة ، فانها لا تنفك عن جعل أحكام ، ولا معنى للشرع الخالي عن الحكم رأسا.
الثانية : العلم الإجمالي المتوسط ، وأطرافه موارد الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة ، ومنشؤه كثرة الأمارات ، وانضمام بعضها إلى بعض ، وعدم احتمال مخالفة جميعها للواقع عقلا.
الثالثة : العلم الإجمالي الصغير ، وأطرافه خصوص ما في الكتب المعتبرة
__________________
(١) الحدائق الناضرة : ١ ـ المقدمة الثانية.
(٢) فرائد الأصول : ١ ـ ٢١٧ ـ ٢١٨ (ط. جامعة المدرسين).
(٣) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٠٣ ـ ١٠٤.