والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» (١) وتقريب الاستدلال : ان الإلزام المحتمل ، وجوبا كان أو تحريما ، إذا لم تقم حجة على ثبوته كان داخلا فيما لا يعلم ، فهو مرفوع ظاهرا وان كان ثابتا واقعا ، توضيح ذلك : ان الحكم سواء كان واقعيا أو ظاهريا فأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ، فكما ان المولى له ان يجعل الوجوب أو الحرمة واقعا ، كذلك له ان يجعل الوجوب أو الحرمة في ظرف الشك في الواقع ، فإذا لم يفعل مع وجود المقتضى له فقد رفعه. والرفع بهذا المعنى غير مستلزم للتصويب كما هو ظاهر. نعم المرفوع ذات ما لا يعلم ، أي نفس الحكم الإلزامي لا بعنوان كونه واقعيا ، والالتزام بهذا المقدار من المسامحة في الحديث مما لا بد منه ، ولا تنافي بين رفع الحكم في مقام الظاهر وثبوته في الواقع على ما مر عليك بيانه في مبحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.
وما ذكرناه هو مراد صاحب الكفاية قدسسره من قوله فالإلزام المجهول مما لا يعلمون ، فهو مرفوع فعلا وان كان ثابتا واقعا (٢) ، والمقصود من الفعلية في كلامه هو حال الشك في الواقع ، لا الفعلية الاصطلاحية كما فهمه بعض أعاظم مشايخنا رحمهالله (٣).
ثم لا يخفى ان الحكم الظاهري بعد ما عرفت من كونه قابلا للوضع والرفع بنفسه يكون مرفوعا ، وليس رفعه بعدم إيجاب الاحتياط على ما يظهر من كلام الشيخ رحمهالله (٤) ، نعم ان ذلك من لوازم رفع الحكم إذ لا معنى لإيجاب الاحتياط في فرض رفع الحكم ظاهرا ، فالمرفوع عند الشك في الحرمة مثلا انما هو نفس
__________________
(١) الخصال : ٢ ـ ٤١٧ ، باب التسعة ، ح ٩ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٦٨.
(٣) نهاية الدراية : ٤ ـ ٣٤ ـ ٣٥.
(٤) فرائد الأصول : ١ ـ ٣٦٤ (ط. جامعة المدرسين).