المكلف لا يمكنه التحرك منه ، ومعه كان العقاب على مخالفته عقابا بلا مقتضى ، كما إذا لم يكن حكم من المولى أصلا.
وبعبارة أخرى : الوظيفة المولوية تقتضي جعل الأحكام وبيانها على نحو يتمكن العبد من الوصول إليها ، فإذا لم يجعل الحكم أو جعل ولم يمكن وصوله إلى العبد كان القصور في ناحية التشريع ، ومعه لا مقتضى لعقاب العبد عند مخالفته الواقع مع عدم استنادها إلى تقصيره. وهذه الكبرى مسلمة ، لم يخالف فيها أحد حتى من الأخباريين. نعم استشكل فيها بعض الأصوليين من جهة معارضتها بقاعدة أخرى ، وهي استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل.
وأجاب الشيخ (١) عن ذلك بان وجوب دفع الضرر المحتمل ليس وجوبا غيريا ليعارض به قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فلو كان فهو وجوب نفسي ظاهري ، فالعقاب انما يكون على مخالفته لا على مخالفة الواقع.
وأورد عليه المحقق الخراسانيّ (٢) بأن الوجوب غير منحصر بالقسمين ، بل هناك قسم ثالث نسميه بالوجوب الطريقي ، المترتب عليه تنجز الواقع ، ووجوب دفع الضرر المحتمل انما يكون من هذا القبيل. ثم دفع التنافي بين القاعدتين بان قبح العقاب بلا بيان يرفع موضوع حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، إذ لا يحتمل وجود الضرر حينئذ.
وأشكل عليه بإمكان العكس ، بأن يكون قاعدة دفع الضرر المحتمل رافعا لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فان كلا من القاعدتين لا يتكفل بيان موضوعه ، وكلا منهما صالح لأن يرتفع به موضوع الآخر ، ولا ترجيح في البين.
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٣٧٦ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ١٧٩ ـ ١٨٠.