حاصله : أن الأحكام الشرعية بما أنها من قبيل القضايا الحقيقية التي يحكم فيها على الافراد المقدر وجودها بواسطة العناوين المعرفة لتلك الأفراد فهي انحلالية ، لكل فرد من أفراد الموضوع المأخوذ في القضية حكم مغاير للحكم الثابت للفرد الآخر ، كما هو الحال في القضايا الخبرية بعينها ، فلو قيل : النار حارة كان عنوان النار فيه معرّفا للوجودات الخارجية ، وكان كل فرد من أفراده محكوما بحكم مستقل ، فالقضية اللفظية وإن كانت واحدة إلّا أنها في اللب تنحل إلى أحكام عديدة حسب ما لعنوان موضوعها من الأفراد ، وعلى هذا لو شك في كون مائع مصداقا للخمر ، فلا محالة يشك في ثبوت الحرمة له ، فيكون الشك في أصل التكليف وجعله للمشكوك ، والمرجع فيه هو البراءة.
وذكر المحقق الخراسانيّ في الكفاية (١) ما حاصله : أن النهي تارة يكون انحلاليا بأن يكون كل فرد من افراد موضوعه محكوما بحكم مستقل ، وأخرى يكون حكما واحدا متعلقا بمجموع التروك. وعلى الأول ، يكون الشك في انطباق الموضوع على شيء شكا في ثبوت التكليف له ، فيرجع إلى البراءة وعلى الثاني ، يكون تعلق التكليف بترك الطبيعة معلوما ، ولا يحرز امتثاله إلّا بترك كل ما يحتمل انطباق الطبيعي عليه ، إلّا إذا كان للترك حالة سابقة فيستصحب ، فيكون الامتثال محرزا بالتعبد.
وما ذكره قدسسره في الصورة الأولى وان كان تاما إلّا أنه غير تام في الصورة الثانية. وتفصيل ذلك أنه تارة يراد من طلب الترك الزجر عن الفعل ، لوجود مفسدة فيه على ما هو معنى النهي حقيقة ، وأخرى يراد منه البعث نحو الترك لوجود مصلحة فيه.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢٠٠.