أما على الأول ، فيكون للنهي أنحاء ثلاثة :
الأول : أن يكون النهي عن الطبيعة انحلاليا بأن يكون ناشئا عن المفسدة الثابتة في كل فرد من أفرادها ، فينحل ذلك إلى تكاليف عديدة ، لكل منها إطاعة وعصيان مستقل ، فإذا شك في فردية شيء لتلك الطبيعة فلا محالة يشك في ثبوت أصل التكليف له ، فيرجع فيه إلى البراءة.
الثاني : أن يكون زجرا واحدا متعلقا بمجموع الأفعال ، بحيث لو اجتنب فردا واحدا من الطبيعي وارتكب بقية الأفراد بأجمعها لم يكن عاصيا ، ومن الواضح أنه في هذا الفرض يجوز للمكلف ارتكاب بعض الأفراد المتيقنة فرديتها للطبيعة مع ترك غيره فضلا عما هو مشكوك الفردية ، والوجه فيه ظاهر. وهل يجوز ارتكاب جميع الافراد المعلومة وترك خصوص الفرد المشكوك؟ الظاهر هو ذلك ، لأنه يرجع إلى الشك في الأقل والأكثر في المحرمات ، وهو على العكس في الواجبات ، فان تعلق التكليف بالأقل عند دوران الواجب بين الأقل والأكثر متيقن ، وإنما يشك في التكليف الزائد ، وهو يدفع بالبراءة. وأما في باب المحرمات فتعلق التكليف بالأكثر وكونه مبغوضا للمولى بنفسه أو بما اشتمل عليه هو المتيقن ، وإنما يشك في حرمة الأقل ، ويدفع ذلك بالبراءة ، وعليه فالإتيان بالأكثر أعنى الأفراد المتيقنة والفرد المشكوك فيه محرم قطعا ، فلا يجوز ارتكابه ، واما ارتكاب ما عدى الفرد المشكوك فيه فحرمته غير معلومة ، والأصل فيه هو البراءة. وقد أشار الشيخ رحمهالله إلى ما ذكرناه في أواخر بحث الأقل والأكثر من غير تفصيل.
وبالجملة الفرق بين الحرمة والوجوب من حيث مقدماتها الداخلية هو الفرق بين مقدماتها الخارجية ، فان وجوب ذي المقدمة يقتضي وجوب مقدماته على القول به ، لتوقفه عليها ، بخلاف مقدمات الحرام ، فان الانزجار عن المحرم لا يتوقف على الانزجار عن مقدماته ، فلا تكون محرمة. ونظير هذا البيان يجري في المقدمات