ثانيهما : مناقضة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع مع العلم الوجداني. وهذا الوجه غير مختص بما إذا كان المعلوم بالإجمال إلزاميا ، وانما يختص بما إذا كان الحكم الظاهري ثابتا بالأمارة أو بالأصل التنزيلي ، فيمتنع جعله في مجموع الأطراف مطلقا ، سواء لزم منه المخالفة العملية أم لم يلزم.
والتحقيق في ذلك : هو أنه لو قامت الأمارة في كل من الأطراف على خلاف المعلوم بالإجمال ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعين ، وقامت البينة على طهارة أحدهما المعين ، وقامت بينة أخرى على طهارة الآخر ، ففي مثل ذلك لا ريب في عدم حجية شيء من الأمارتين ، فان ما دل على طهارة أحدهما المعين قد دل على نجاسة الآخر بالدلالة الالتزامية ، وقد مر غير مرة انه لا فرق في حجية الاخبار بين كونه اخبارا عن شيء بالمطابقة وكونه اخبارا عنه بالالتزام ، وعليه فتقع المعارضة بينها وبين ما دل على طهارة الآخر ، فيسقطان معا على ما هو الأصل من سقوط الدليلين وعدم شمول دليل الحجية للمتعارضين.
وبما ذكرنا ظهر انه لو كان الحكم المعلوم بالإجمال غير إلزاميّ ، وقامت الأمارة على الحكم الإلزامي في جميع الأطراف سقطت الأمارة عن الحجية أيضا وان لم يستلزم جريانها المخالفة العملية ، فلا فرق في سقوط الأمارات القائمة على خلاف المعلوم بالإجمال بين كون العمل بها مستلزما للمخالفة القطعية وما لم يكن.
واما إذا كانت الأصول الجارية في نفسها في أطراف العلم الإجمالي أصولا تنزيلية ، فقد اختار المحقق النائيني قدسسره إلحاقها بالأمارات ، فمنع عن جريانها في جميع الأطراف ، سواء استلزم المخالفة القطعية أم لم يستلزم ، وملخص ما ذكره في وجهه : ان المجعول في باب الأصول التنزيلية هو البناء العملي ، والأخذ بأحد طرفي الشك على انه هو الواقع ، فيمتنع جعل ذلك في مجموع الأطراف ، إذ لا يعقل التنزيل على خلاف