العلم الوجداني (١).
ولكن الصحيح انه لا مانع من جريان الأصول في الأطراف إذا لم يستلزم المخالفة العملية بلا فرق بين التنزيلية وغيرها ، فان الأصل مطلقا لا يترتب عليه أثر إلّا ثبوت مؤداه ، ولا يترتب عليه لوازمه ، فكل من الأصول الجارية في الأطراف انما يثبت مؤداه في مورده بلا نظر إلى النفي عن غيره ، وغاية ما يترتب على ضم بعض الأصول إلى البعض هو العلم بمخالفة بعضها للواقع ، ولا ضير فيه بناء على عدم وجوب الموافقة الالتزامية كما هو الصحيح. ونظير ذلك ما التزم به هو قدسسره وغيره فيما إذا شك المصلي المسبوق بالحدث في الطهارة بعد الفراغ من صلاته من جريان قاعدة الفراغ في الصلاة الماضية ، وجريان استصحاب الحدث بالإضافة إلى الصلاة الآتية ، مع انه يعلم إجمالا بعدم مطابقة أحد الأصلين التنزيلين للواقع ، وليس ذلك إلّا من جهة انه لا يترتب على جريان الأصلين إلّا المخالفة الالتزامية ، وهي غير مانعة عن جريانها. هذا فيما إذا كانت الأصول مثبتة للتكليف على خلاف المعلوم بالإجمال.
واما إذا كانت نافية له ، كما إذا علمنا بطرو النجاسة على أحد المائعين المعلوم طهارتهما سابقا ، فعدم جريان الاستصحاب فيهما معا انما هو للمانع المتقدم ، وهو استلزامه الترخيص في المعصية ومخالفة التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلف صغرى وكبرى ، فإذا علمنا بوجود الخمر بين إناءين مع العلم بحرمة الخمر شرعا ولو لم يكن مميزا على غيره في الخارج ، فالحكم المزبور بما انه واصل إلى المكلف كان الترخيص في مخالفته كالترخيص في مخالفة الحكم المعلوم بالتفصيل قبحا عقلا. وبذلك يظهر ان أدلة الأصول ولو فرض شمولها لأطراف العلم الإجمالي لزم
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٢٤٠.