وذهب صاحب الكفاية في المتن (١) إلى سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز حتى في غير المضطر إليه ، بدعوى ان تنجيز العلم بالتكليف يدور مدار وجوده حدوثا وبقاء ، ومع الاضطرار لا يكون العلم بالتكليف باقيا بالضرورة.
ثم أورد على نفسه بأنه لو كان بقاء العلم معتبرا في تنجيزه لزم عدم تنجيزه عند فقدان بعض الأطراف ، أو خروجه عن مورد الابتلاء أو امتثاله.
وأجاب عنه بان الاضطرار من حدود التكليف ، فالتكليف من أول حدوثه يكون مشروطا بعدمه ، وهذا بخلاف الفقدان ، فانه ليس من حدوده ، وانما يكون ارتفاع التكليف به من قبيل ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ، وكذلك الحال في فرض الامتثال والخروج عن محل الابتلاء. ثم أمر بالتأمل.
ولكنه في الهامش (٢) عدل عن ذلك ، والتزم ببقاء تنجيز العلم الإجمالي في غير الطرف المضطر إليه ، بتقريب : ان العلم الإجمالي من أول الأمر تعلق بأحد التكليفين مرددا بين القصير والطويل ، نظير ما لو علم إجمالا بوجوب الجلوس في المسجد بمقدار ساعتين أو الجلوس في الصحن بمقدار أربع ساعات ، والعلم بالتكليف المردد بين القصير والطويل يوجب تنجيزهما معا ، وسقوط التكليف القصير بانتهاء أمده لا يستلزم سقوط الآخر.
والصحيح : هو القول بالتنجيز ، لما عرفت ، ولأن الشك في التكليف في غير الطرف المضطر إليه هو بعينه الشك الّذي حكم بعدم جريان الأصل فيه ، وليس هو شكا حادثا ، فلا مؤمن في ارتكابه من العقاب ، فيجب الاجتناب عنه بحكم العقل. واما ما ذكره صاحب الكفاية أولا من ان الاضطرار من حدود التكليف بخلاف الفقدان ونحوه ، فيرفعه ما ذكرناه في مبحث الظن من ان فعلية التكليف تدور مدار
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢١٦ ـ ٢١٨.
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ٢١٦.