اللاحق سابق على طروء الاضطرار ، وبعد طروه يدور أمره بين أن يكون في الطرف المضطر إليه فيقطع بارتفاعه ، أو في الطرف الآخر فيقطع ببقائه ، فيكون حاله حال الحدث المردد بين الأصغر المتيقن ارتفاعه بعد الوضوء والأكبر المقطوع بقاؤه ، وهذا الاستصحاب وان لم يترتب عليه ثبوت التكليف في غير الطرف المضطر إليه ، لأنه مثبت ، إلّا انه يكفي في جريانه بعد كون مجراه حكما شرعيا قابلا للتعبد به حكم العقل بلزوم الاحتياط في غير الطرف المضطر إليه.
والجواب عن هذه الشبهة ان الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال انما يجريان فيما إذا كانت الأصول في جميع أطراف الشبهة ساقطة بالمعارضة ، كما في مثال الحدث المردد بين الأكبر والأصغر ، فان الأصل في كل منهما معارض به في الآخر ، فلا يقين إلّا بالحدث الجامع بين الأصغر والأكبر ، وخصوصية كل منهما مشكوكة ، فإذا توضأ المكلف أو اغتسل يشك في ارتفاع حدثه ، فيستصحب. وهذا بخلاف ما إذا كان الأصل في بعض الأطراف جاريا من دون معارض ، فانه لا مجال فيه لجريان الأصل في الكلي بعد حكم الشارع بعدم التكليف في بعض الأطراف ، وسقوطه في بعضها بالوجدان ، كما في المقام ، فان غير الطرف المضطر إليه لا حكم فيه بأصالة البراءة ، والطرف المضطر إليه يجوز ارتكابه بالوجدان ، ومن هنا كان المرجع في دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين أصالة البراءة ، مع انه بعد الإتيان بالأقل يشك في بقاء التكليف المعلوم بالإجمال لا محالة ، ولا يرجع معه إلى الاستصحاب ، وليس الوجه فيه إلّا ان منشأ الشك في بقائه ليس إلّا احتمال تعلق التكليف بالأكثر الّذي فرض جريان أصل البراءة فيه بلا معارض ، فلم يبق مجال للاستصحاب ولا لقاعدة الاشتغال.
ونظير المقام ما إذا كان بعض الأطراف موردا للأصل المثبت ، وبعضها موردا للأصل ، النافي كما لو علم إجمالا بعدم الإتيان بصلاة الصبح التي حال وقتها ، أو